التحول من شركات نفط إلى «طاقة»

22:47 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *

في منتصف العام الماضي، أصدرت شركة المحاسبة والخدمات الخاصة البريطانية «برايس ووترهاوس كوبرز»، تقريراً عن صناعة النفط العالمية في ضوء أزمة تدهور أسعار النفط التي تعرضت لها الصناعة قبل أن تبدأ الأسعار في التعافي (وصولاً إلى مستواها الحالي الذي يدور حول 65 دولاراً للبرميل) (سعر نفط القياس من نوع برنت يوم الخميس 22 إبريل 2021). ويخالف التقرير التوقعات السابقة لبعض محللي الصناعة، من أن أمام صناعة النفط عقود من التطور والازدهار، بالقول إن المشهد تغير الآن ولابد من إعادة التفكير في الاستراتيجيات، بأن تتحول شركات النفط إلى شركات طاقة ذات نطاقات عمل أكثر سعة (Broad scope of work)، أو إنشاء مواقع أكثر تخصصية لها في صناعة النفط والغاز. وفي ضوء أزمة «كوفيد- 19» وتبعاتها، فإن المطلوب هو تسريع التحولات الأساسية داخل هياكلها ذات الصلة خصوصاً بقضايا البيئية والمناخ والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة. ولا ننسى أن الحكومات في جميع أنحاء العالم، قد أطلقت، رداً على هجمة جائحة كورونا، حزم تحفيز مالي، صُمم معظمها، خصوصاً في أمريكا وأوروبا، ليس فقط لدعم الاقتصادات وإنما بإدماج سياسات مستدامة وصديقة للبيئة معها في الآن معاً.
وحين أدرك بعض شركات القطاع النفطي، (شركات شل وتوتال وStatoil النرويجية التي غيرت اسمها ليصبح Equinor انسجاماً مع خط أعمالها الطاقوي المتنوع؛ وشركة شيفرون وشركة اكسون موبيل، على سبيل المثال)، عمق التغيرات التي بدأت تطرأ على السوق منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، قامت بإعادة تشكيل نماذج أعمالها لتعزيز مراكزها التنافسية. وكان ذلك من خلال التنويع (بالاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، لاسيما الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، واحتجاز الكربون وتخزينه، وتصنيع البطاريات. ويمكن لشركات النفط الوطنية (NOCs)، الخليجية، والعربية عموماً، أن تنسج على نفس منوال شركات النفط العالمية (IOCs) في اتباع استراتيجيات التكامل الاستثماري، بالدمج بين أنشطة الإنتاج والتوزيع، بالاستثمار في التفريعات الأفقية (Downstream) مثل التكرير والبتروكيماويات. ليس هذا وحسب، وإنما بوسعها الخروج من دائرتها الاستثمارية الضيقة، باتجاه عقد شراكات «خارجية» تمكنها من الوصول إلى موارد مالية غير مقيدة بميزانياتها، وتُعظّم فرصها في النفاذ إلى الأسواق (Market access)، واكتساب تقنيات وممارسات تشغيلية جديدة، وزيادة فاعلية توظيف تكاليفها التشغيلية، وتقريبها من المجتمعات المحلية باعتبارها من الشركاء غير المباشرين.
ذاك على مستوى التحول الجزئي الذي لا ينطوي على مخاطرة كبيرة، بسبب الخروج «للوقوع» في نفس القطاع الذي لطالما ألِفته. إنما المطلوب، تحول نوعي ينقل الشركة النفطية من كونها محض شركة إنتاج نفط وغاز إلى شركة طاقة، تمد أنشطتها لتشمل تخزين الطاقة؛ وتوليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة الأخرى؛ وتحويل الهيدروكربونات إلى مواد كيميائية، عبر تغطية سلسلة القيمة الكاملة من أجل استخلاص أعلى قيمة ممكنة من البتروكيماويات على حساب الوقود المكرر؛ جنباً إلى جنب مع تحقيق أعمق تكامل لقطاعي التكرير والبتروكيماويات؛ واقتحام آفاق الاستثمار في الوقود الحيوي في منشآت التكرير؛ وكذلك قطاع الخدمات البترولية الواسع.
لكن يبقى الأهم هو التنويع في أنشطة الطاقة المختلفة، بما يشمل الانفتاح على تخصيص جزء، متزايد مع الوقت، من ميزانياتها الاستثمارية، لتوجيهه نحو مصادر الطاقات المتجددة. فبغض النظر عن نموذج الأعمال المختار، سواء تم ذلك في نفس دائرة قطاع أعمالها التقليدي الذي احترفته وأتقنته ولم تعرف سواه، أو وسعت دائرته ليشمل إضافة أنشطة تفريعية جديدة ذات منتجات وسيطة أو نهائية بقيمة مضافة أعلى، فإن شركة نفط المستقبل، ستجد نفسها على أية حالة أمام حقيقة مفادها أبن فرص النمو وخلق القيمة ستكون بشكل متزايد خارج نطاق الهيدروكربون التقليدي. فمع اشتداد التحول العالمي في مجال الطاقة، تتدافع شركات النفط لإيجاد مساحات عمل جديدة. وهو ما سيضعها في منافسة شديدة مع منافسين راسخين في السوق، من قبيل شركات النقل والمواصلات والاتصالات، أو شركات تكنولوجيا الطاقات الجديدة الصاعدة.
وتنهض التجارب التالية، أمثلة على التحول الطاقوي الذي لم يعد ترفاً بالنسبة لشركات القطاع النفطي التقليدي. منها مثلاً، استثمار شركة شل في الوقود الحيوي، ومحطات وقود الهيدروجين وشحن المركبات الكهربائية وتحويل الغاز إلى سوائل Gas To Liquids – GTL (تحويل الغاز الطبيعي إلى وقود سائل مثل البنزين ووقود الطائرات والديزل)، والرياح البرية والبحرية؛ واستثمار شركة Equinor النرويجية الحكومية في تكنولوجيا الرياح البحرية وفي تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه؛ واستثمار توتال الفرنسية في توليد الطاقة الشمسية وتقنيات توليد الطاقة المائية والرياح، وتخزين الطاقة عبر تكنولوجيا البطاريات بعد أن استحوذت على شركة Saft، وإنتاج الوقود الحيوي مثل إيثيل ثلاثي بوتيل الإيثر (ETBE)، والزيوت النباتية المعالَجة بالهيدروجين لتحويلها إلى ديزل متجدد (Renewable diesel). الولاية النفطية الأمريكية الأشهر، تكساس، في طريقها للانتقال من عصر النفط إلى عصر الطاقات المتجددة؛ حيث باتت تتصدر قائمة الولايات الأكثر إنتاجاً لطاقة الرياح في البلاد (بنسبة 23% من إجمالي إنتاجها من الكهرباء)، والمركز الثاني على صعيد الطاقة الشمسية. وتحاول مصادر الطاقة الأحفورية في الولاية التعايش مع الطاقات المتجددة الصاعدة.
* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"