إفلاس لبنان

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

نستعير من الأساطير اليابانية قصة القرود الثلاثة، «ميزارو» الذي يغطي عينيه كي لا يرى، و«كيكازارو» الذي يغطي أذنيه كي لا يسمع، و«وإيوازارو» الذي يغطي فمه كي لا يتكلم. إنها حال الطبقة السياسية والطائفية اللبنانية التي أوصلت لبنان إلى الحضيض، سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً، وأغرقت الشعب اللبناني في أزمات معيشية أدخلته في غياهب الفقر والجوع. ومع ذلك، لا تزال هذه الطبقة تكابر، وترفض تصديق ما فعلته على مدى السنوات الماضية بهذا الشعب، جرّاء إدمانها على الفساد، ونهب المال العام، وممارسة أسوأ ما عرفته السياسة من إسفاف وابتذال.
 الشعب اللبناني يكتوي بنار الجوع، ويسقط بين براثن الفقر، والطبقة السياسية إيّاها تعيش في عالم آخر، تمارس مختلف ألاعيب وفنون التهرّب من تحمّل المسؤولية، وتغرق في صراعات كيدية وطائفية مقيتة، وتعرقل كل الحلول والمبادرات الإنقاذية الممكنة التي قد تساعد على إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
 حتى البنك الدولي الذي لا يرفّ له جفن في تسويق وصفات التقشف التي تطيح بالفقراء وتزيد من أعدادهم في العالم تنفيذاً لسياسات ليبرالية اعتاد عليها، رفع صوته هذه المرة، وكان أرحم من الطبقة السياسية العاتية المتحكمة الممسكة بتلابيب الشعب اللبناني.
 البنك الدولي دقّ جرس الإنذار هذه المرة، وقد يكون لآخر مرة، مؤكداً أن «لبنان غارق في انهيار اقتصادي قد يضعه ضمن أسوأ أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر، في غياب أي أفق حل يخرجه من واقع متردٍّ يفاقمه شلل سياسي». فهل قرأ أرباب الطبقة السياسية ذلك، وفهموا معناه؟ هل قرأوا ما ورد في التقرير «بوجود توافق سياسي حول حماية نظام اقتصادي مفلس، أفاد أعداداً قليلة لفترة طويلة»، ما يعني أن كل هذه الطبقة شريكة في تفليس لبنان وإفقار شعبه؟ ويتوقع البنك الدولي أيضاً، تضخماً في الأسعار يبلغ 100 في المئة في عام 2021، أي أنه في التلازم بين تدهور قيمة العملة الوطنية وبين التضخم، يتوقع البنك مزيداً من التدني في قيمة الليرة.
 ولا يتوقف البنك الدولي عند هذا الحد، فهو يرى أن «التضخم ضريبة بشعة وغير مناسبة تصيب الفقراء والأضعف الذين يعيشون على رواتبهم التقاعدية».. حتى البنك الدولي بات يدافع عن الفقراء، فيما الطبقة السياسية تصمّ آذانها، ولا ترى، ولا تتكلم.
 ويشير البنك الدولي إلى مصرف لبنان ومسؤوليته عمّا أصاب لبنان، ويتهمه ب«انعدام الوضوح في سياساته النقدية العامة»، خصوصاً ما يتعلق باستحداث «منصة صيرفة» لامتصاص السيولة النقدية بالليرة اللبنانية.
 لبنان فاز بتصنيف الانزلاق نحو الغرق، بعدما انخفض ناتجه المحلي الإجمالي إلى 33 مليار دولار في عام 2020، وتراجع الناتج المحلي للفرد بالدولار الأمريكي بنسبة 49 في المئة، وانهيار قيمة العملة الوطنية، وتضخم هائل في الأسعار.
..ومع ذلك، لا تزال الطبقة السياسية الطائفية سادرة في غيّها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"