فضائح العالم الآخر

00:34 صباحا
قراءة دقيقتين

ثمة وجه آخر للعالم لا يُعرف الكثير عنه إلا من خلال بعض التسريبات أو الفضائح التي تظهر بين الحين والآخر، من دون أن يقلل ذلك من حقيقة أن العالم يخضع لسيطرة أمنية لا حدود لها، وأن التنافس القائم بين الدول يزداد حدة وشراسة مع إبداع الوسائل المختلفة لإثبات علو كعب الدول الأكثر قوة وتقدماً في إخضاع كل حركة على كوكبنا لسيطرتها.
 في عالم التنصت السري، أو بالأحرى التجسس، لا قوانين ولا حدود للمراقبة التي تأتيك من تحت الأرض ومن فوقها، وتدخل إلى غرفة نومك وتنتهك خصوصيتك دون استئذان، سواء عبر هاتفك المحمول أو جهاز حاسوبك أو أي شيء آخر، فهذا أصبح من سمات العصر الذي نعيش، ولكن الأمر قد يختلف كثيراً ويصبح أكثر تعقيداً حينما يتعلق بالدول، وخصوصاً بين الحلفاء.
 ما كشفته مؤخراً وسائل الإعلام الدانماركية والأوروبية عن قيام وكالة الأمن القومي الأمريكية بالتنصت على كابلات الإنترنت الدنماركية تحت الماء بين عامي 2012 و2014 للتجسس على كبار السياسيين في ألمانيا والسويد والنرويج وفرنسا، وهي دول حليفة لأمريكا، يشير إلى ما هو أبعد من اهتزاز الثقة، أو عدم وجودها أصلاً، بين الحلفاء، وصولاً إلى حد الهيمنة المطلقة على أوروبا والعالم بأسره. وبحسب تقرير استقصائي نشرته وسائل الإعلام المنوه عنها، فإن وكالة الأمن القومي الأمريكي نجحت، عبر استغلالها للشراكة مع المخابرات الخارجية بالدانمارك، في التجسس على مسؤولين كبار في دول الجوار، والوصول إلى الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية وحركة المرور على الإنترنت وخدمات البحث والمحادثات والرسائل، بما في ذلك تلك العائدة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الخارجية آنذاك فرانك فالتر شتاينماير وزعيم المعارضة آنذاك بير شتاينبروك.
 أما لماذا عبر التعاون مع الدانمارك، فلأنها الدولة الإسكندنافية الوحيدة العضو في حلف شمال الأطلسي «الناتو». وبالطبع فإن ردة الفعل المنتظرة، وضعت الدول الأوروبية على حافة أزمة مع الولايات المتحدة، بعد أن اعتبرت التجسس بين الحلفاء أمراً غير مقبول، وطالبت واشنطن بإيضاحات، كما أجبرت الدانمارك على فتح تحقيق داخلي، حيث تريد الدول الأوروبية معرفة ما إذا كانت كوبنهاجن تعلم بالأمر. ومع ذلك، لا يبدو أن التنصت الأمريكي على القادة الأوروبيين يعتبر شيئاً جديداً، فقد سبق أن كشف المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأمريكي إدوارد سنودن آلاف الوثائق السرية التي فضحت عمليات التجسس الأمريكية الواسعة، خصوصاً بعد هجمات 11 سبتمبر2001. 
 وإذا تم تأكيد هذه الفضيحة الأخيرة، فإن ذلك يعني أن الأمر استمر أثناء وبعد فضيحة سنودن عام 2013. اللافت أن وزيرة الدفاع الدانماركية أبلغت، بحسب وسائل الإعلام تلك، بملف التجسس في أغسطس/آب الماضي، وأنه بعد ذلك بوقت قصير، أقيل مدير الاستخبارات وسلفه الذي كان في المنصب حتى عام 2015 وعدد من الموظفين من دون الإعلان عن تفسير كامل لسبب الإقالة، وهذا كله ليس سوى جزء من عالم غير مرئي وليس له حدود.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"