عادي

بدور القاسمي: متى نحتفي عالمياً بالناشرين المعرضين للخطر ونقدر تضحياتهم؟

21:14 مساء
قراءة 4 دقائق
الشيخة بدور القاسمي

يمنح الاتحاد الدولي للناشرين منذ عام 2005 جائزة للناشرين، الذين أظهروا شجاعة تُحتذى في دعم حرية النشر، وتمكين الآخرين، وخاصة الكُتَّاب، لممارسة حريتهم في التعبير عن أفكارهم وآرائهم.

لا يتجاوز عمر «جائزة فولتير»، (جائزة حرية النشر سابقاً) التي يمنحها الاتحاد الدولي للناشرين 16 عاماً، لكن حرية النشر كانت إحدى القيم التأسيسية للاتحاد منذ انطلاقته قبل 125 عاماً، والذي نص نظامه الأساسي على أن هدفه الأول، هو: دعم حق الناشرين في نشر الأعمال الفكرية، وتوزيعها، والدفاع عنها بحرية تامة.

ألقيت الشهر الماضي كلمة أمام الاجتماع السنوي العام لاتحاد الناشرين في المملكة المتحدة، واكتشفت أثناء تحضيري لتلك الكلمة مدى محورية قضية حرية النشر بالنسبة لمن سبقوني في منصب رئاسة الاتحاد. كان السير ستانلي أونوين، الرئيس الأطول خدمة في تاريخ الاتحاد الدولي للناشرين بفترتين كاملتين (الأولى من 1936 إلى 1938، والثانية من 1946 إلى 1957) مدافعاً قوياً عن حرية النشر، لدرجة أنه مَثُلَ عام 1960 كشاهد دفاع في المحاكمة الشهيرة الخاصة بالرواية الجريئة للكاتب ديفيد هربرت لورانس المعروفة باسم «محاكمة ليدي تشاتيرلي»، والتي نشرتها دار بينجوين بوكس في تحدٍ واضح لقانون مكافحة المطبوعات المخلة بالآداب في بريطانيا لعام 1959.

وجدت نفسي وأنا أراجع الترشيحات الأولية ل «جائزة فولتير» لعام 2021 مدفوعةً بقوة نحو التفكير في أهمية تلك الجوائز، وقيمة الحوار في إحراز تقدم ملموس على صعيد تعزيز وحماية حرية النشر. وكان أبرز ما قفز إلى ذهني هو لحظة مفصلية في مسيرتي حين توليت عام 2018 إدارة إحدى الجلسات النقاشية على هامش فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب، مع راضية رحمن جولي أرملة الناشر البنجلاديشي، فيصل عارفين ديبان، الذي قتل على يد متطرفين دينيين؛ رفضاً للكتب التي تولى نشرها.

وخلال تلك الجلسة النقاشية التي حملت عنوان «حرية النشر في خطر: التهديدات والتحديات الناشئة»، دعت راضية إلى تدشين يوم سنوي؛ تكريماً للناشرين المعرضين للخطر؛ تقديراً لتضحياتهم. وأضافت راضية: إن اليوم العالمي للناشرين المعرضين للخطر من شأنه أن يسلّط الضوء على حالات عدة غير معروفة للناشرين المسجونين، أو المضطهدين، أو المهددين، أو الذين تتعرض حياتهم للخطر.

ومن يومها، وأنا أعتبر فكرتها تلك مقترحاً رائعاً، خاصة وأن الناشرين اليوم يواجهون مخاطر متزايدة؛ بسبب الرقابة والضغوط السياسية والاقتصادية والترهيب وغيرها من الممارسات القمعية. إنني مقتنعة بأن راضية كانت على حق، وستكون تلك طريقة فاعلة؛ لتوسيع نطاق الجهود المهمة التي تبذلها بالفعل كيانات؛ مثل: تحالف أسبوع الكتب المحظورة وجمعية الناشرين إلى جانب بائعي الكتب الألمانية؛ لحشد جهود كافة الأطراف الفاعلة في قطاع النشر - بمن فيهم بائعو الكتب والمعلمون والمطابع والقرّاء -؛ من أجل الدعم المتبادل لحرية التعبير.

وحين أمعنت النظر في سبل تفعيل تلك الأفكار وتحويلها إلى مبادرات واقعية، واستعرضت بعض الجوائز العالمية والأيام التذكارية المتعلقة بحرية التعبير خلصتُ إلى النتائج الآتية:

يحتفل الكتّاب والصحفيون بالفعل بأيام تذكارية؛ إحياءً لإسهاماتهم في مجال حرية التعبير، بينما يفتقر الناشرون لأي أيام أو مناسبات مماثلة.

أغلب الجوائز الدولية موجهة للصحفيين والنشطاء والمؤسسات الإعلامية، و«جائزة فولتير»؛ هي الجائزة العالمية الوحيدة الموجهة للناشرين وصناعة النشر، ونادراً ما يحصل الناشرون على جوائز؛ تقديراً لإسهاماتهم في مجال حرية التعبير، ما يؤكد أهمية هذه الجائزة.

تنخرط المجتمعات في نقاشات متنامية وصعبة بشأن حرية النشر في منطقة الشرق الأوسط والولايات المتحدة وأوروبا ومختلف مناطق العالم. وتمثل «جائزة فولتير» أداةً استثنائية لتكريم حرية النشر، وأنا فخورة للغاية بتمثيل مؤسسة قادت هذا النقاش لأكثر من قرن كامل.

في الإمارات العربية المتحدة، شاهدت بنفسي كيف يمكن تحقيق تقدم ملموس في مجال حرية النشر؛ من خلال الحوار المستمر بين الأطراف ذات العلاقة على اختلاف فئاتها. ففي مؤتمر الناشرين العرب عام 2015، استضافت جمعية الناشرين الإماراتيين ندوة حول حرية النشر ناقشت صراحة القيود المفروضة على حريات النشر في الإمارات العربية المتحدة والعالم العربي إجمالاً، وشددت على التأثيرات الإيجابية لحرية النشر، ودورها في تعزيز التنمية والديمقراطية. وقد تم إبراز الأهمية الاستثنائية لحرية التعبير، وتحديداً حرية النشر، بقوة ضمن برنامج الاحتفاء بالشارقة عاصمةً عالميةً للكتاب عام 2019. كما أثمر هذا التفاعل عن تغييرات ملموسة هنا وفي أماكن أخرى حول العالم.

إنني مهتمة للغاية بمعرفة ما إذا كان هناك قبول واسع لمقترح اعتماد يوم عالمي للناشرين المعرضين للخطر، وفي حال توفر مثل ذلك القبول، فإنني على قناعة تامة بأن مثل هذا اليوم التذكاري سيكون أكثر تأثيراً إذا تضافرت جهود مجتمع النشر العالمي؛ لدعم فكرة الحملة العالمية لأسبوع الكتب المحظورة.

الحوار المفتوح بين الدول والثقافات ضرورة لا غنى عنها؛ لدعم الجهود الرامية لإحداث التغيير المنشود على صعيد القضايا الثقافية والاجتماعية الصعبة وذات السياقات المتشعبة مثل حرية النشر.

فهل حان الوقت لتطبيق فكرة راضية رحمن جولي؟

وريثما تتضح معالم الإجابة عن هذا التساؤل، فإنني أحثكم على تقديم ترشيحاتكم لجائزة فولتير قبل ال 20 من يونيو/حزيران القادم كحد أقصى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"