دائـرة الأخطـاء المهـنـيـة المكـررة

00:39 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. راسل قاسم

بين الحين والآخر، نرفع رؤوسنا من على الأوراق والتقارير، أو نشيح بأبصارنا عن ملفات العمل على شاشات الحاسوب، فنرى أن دنيا الأعم ال قد تبدلت حالها، وأن الإدارة الرشيدة تكاد تسقط من بين أصابع الممارسات التي اعتدنا عليها.

ننتفض ونهم إلى تحديث معارفنا، وتقليم قناعاتنا المهنية، فنغرس هنا ونقطع هناك حتى نطمئن ونشعر أننا لحقنا بالركب.

على الرغم من هذه النزعة نحو الكمال الإداري، والحرص على التطوير والتحديث، ما زلنا نكرر ارتكاب بعض الأخطاء الإدارية مرةً بعد مرة، أحياناً نعي متأخرين أننا أخطأنا فيما قمنا به، وأحياناً أخرى نسير ملتحفين بعباءة الانشغال.

لو مددنا يدنا في جعبة تلك الأخطاء المكررة، يمكننا أن نخرج الكثير منها، ولعله من المناسب في مقامنا هذا أن نتخير التالي:

- السعي إلى حل المشاكل أولاً بأول: تسيطر على العاملين في مجال الإدارة الرغبة في اكتشاف الأخطاء وإصلاحها بأسرع وقت ممكن، أو التعامل مع المشاكل وحلها بشكل فوري. نصفّق لمن يقوم بذلك في أغلب الأحيان، ولكننا نمتنع عن التصفيق في أحيانٍ أخرى.

يسهى الكثيرون عن أن بعض المشاكل بحاجة إلى فترة حضانة، وأنه خلال تلك الفترة يمكن لتلك المشاكل أن تختفي من تلقاء نفسها ودون تدخّل منا. وفي حالات أخرى، تكون تكاليف حل المشكلة التي نواجهها أكبر من تكاليف بقاء المشكلة، فيكون الحل في القبول بها على أن نستخدم الموارد المتاحة في تطوير منحى آخر يحقق فوائد أكبر ويصل بنا إلى مكان أبعد.

- الوقوع في حب الرسمية: يلجأ العديد من الأشخاص إلى التمسك بقناع الرسمية والوقار معتقدين أن ذلك سيساعدهم على ترسيخ مكانتهم المهنية والسير بثبات على طريق النجاح، متناسين أن البعد الأول في الإدارة هو البعد الإنساني، وتزخر مكتبات الجامعات والمراكز البحثية بالدراسات التي تثبت أهمية وسائل التحفيز الوظيفي غير المادية، تلك الوسائل التي ترتبط بشكل مباشر ببيئة العمل الإيجابية، والعلاقات الصحية بين أفراد الفريق، والشعور بالاهتمام والقرب من المديرين ومتخذي القرار.

لن ينتقص من صورتك أو رزانتك ما تبديه من تواضع ولطف وروح دعابة معقولة، ولن يجعل الآخرين يحكمون عليك بأنك مهني ضعيف أو غير جدير بمنصبك، لا بل إن ذلك سيجعلك أقرب إلى زملائك وأكثر قدرة على التواصل معهم بشكل فعّال.

- المبالغة في تقدير الخبرة: جميعنا لدينا ضعف اتجاه ما نمتلكه من معلومات وخبرات، ونشعر بالسعادة والرضا عندما نثبت أن رأينا كان صحيحاً أو أن ما قمنا به كان العمل الأمثل. يبدو أن المبالغة في تقدير الخبرة الشخصية من الفخاخ التي لا نفتك نقع بها.

من الآثار السلبية لتضخيم الخبرة فتور الهمة وضعف السعي نحو التعلم والتجديد، وقد أسميت هذه الحالة في مناسبات سابقة «معضلة التعلم لدى الخبراء»، لأنه من السهل الرجوع إلى ما نمتلكه من معارف ومن الأسهل الاكتفاء بها. ومن تداعيات تلك الأنا المهنية أيضاً الخطأ في توقع المستقبل وتكوين نظرة استشرافية، قام أحدث الباحثين في جامعة بنسلفانيا الأمريكية بإنجاز دراسة ضخمة حيث حلّل 150 ألف توقّع لخبراء في مجالات مختلفة، والنتيجة الصادمة أن التوقعات الصحيحة لم تتجاوز نسبة 33 % من إجمالي التوقعات.

تقع على عاتقنا مسؤولية كبيرة في أن نكسر دورة الأخطاء المكررة في حياتنا المهنية، فتكرار العمل الخاطئ لن يمنحك خبرة مضاعفة، وإنما سيدخلك في دائرة مغلقة يصعب عليك الخروج منها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"