إعادة إعمار الإنسان

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

إعادة إعمار غزة، إعادة إعمار العراق، إعادة إعمار سوريا، إعادة إعمار اليمن، إعادة إعمار ليبيا..

 الدول والمؤسسات والمنظمات المحلية والعالمية، جميعها تتحدث عن إعادة إعمار ما دمرته الحروب؛ وتعني به إعادة إعمار المباني والبُنى التحتية، ولا يتحدث أحد عن إعادة إعمار الإنسان.

 من السهل إعادة إعمار الجسور والطرقات والأبراج وكل شيء مادي؛ لكن من الصعوبة بمكان إعادة إعمار الإنسان الذي تضرّر من الحرب، نفسياً وعضوياً وثقافياً وقيمياً. فمنذ انطلاق ما يُسمى ب«الربيع العربي» في عام 2011 حتى اليوم، وهي مدة زمنية تساوي أكثر من عقد من الزمان، وإذا كان الاختصاصيون يحسبون الجيل بعشرين سنة، فإن الحرب دمرت جيلين؛ الجيل الذي بلغ عمره 10 سنوات حين اندلعت المعارك، وأصبح 20 سنة الآن، والجيل الذي ولد مع نشوب المعارك، وأصبح عمره 10 سنوات الآن. 

الجيلان تعرضا لخراب نفسي ودمار عضوي وثقافي واجتماعي، وربما تعرض الجيل الأول أكثر من الثاني؛ بسبب وعيه الذي كان يتشكل ويستعد لدخول مرحلة المراهقة، وجعلته الحرب يكبر بسرعة فائقة، أما الجيل الثاني الذي ولد مع اندلاع المعارك، فإنه إما نزح داخل بلاده أو هُجّر خارجها، وفي الحالتين حُرم من المدرسة والحياة الطبيعية المفترض توفيرها لأي طفل. والأمر الآخر يقول: إن كلا الجيلين ربما شاركا في المعارك ونشأ أفرادهما على عقلية الدم وأصوات الرصاص والقتل والتطرف؛ بسبب إقدام التنظيمات على تجنيد الأطفال، واستخدامهم في الحروب بطرق مختلفة.

 وبالنسبة لسوريا على سبيل المثال، تشير تقارير المنظمات الدولية ومنها اليونيسيف إلى أن عدد الأطفال السوريين النازحين إلى دول الجوار بلغ نحو 2.5 مليون طفل، 38% منهم لم يلتحقوا بالمدارس، وهناك 10 آلاف لاجئ سوري من الأطفال غير المصحوبين أو المنفصلين عن ذويهم ولا يمتلكون وثائق قانونية، وهؤلاء يسهل استغلالهم بطرق مختلفة. وتقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان: إن عدد الأطفال الذين تم إخفاؤهم قسرياً منذ عام 2011 هو 4261. وقال تقرير لليونيسيف: إن أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخمس سنوات في سوريا يعانون التقزّم؛ نتيجة سوء التغذية المزمن.

 وما ينطبق على سوريا ينطبق على الأطفال الآخرين النازحين والقاطنين في مخيمات تفتقر لأدنى متطلبات العيش الكريم، وهؤلاء ينشأون في بيئة غير صحية، جسدياً ونفسياً، ويعانون انعدام الأمن والجهل والتنمر.

 تستطيع منظمات الأمم المتحدة القيام بإحصاءات وكتابة تقارير لتسليط الضوء على هؤلاء الأطفال، لكنها لا تملك الإمكانات المادية ولا البشرية لإعادة إعمار النفوس أو رعايتها أو تحصينها من المتغيرات وصعوبة البيئة. ولا تستطيع المنظمات تأمين مرشدين في الصحة النفسية والتربوية لكل الأطفال النازحين، لهذا، على الدول التي تستضيف النازحين أن تولي عناية خاصة بالأطفال، كأن توفر لهم التعليم والإرشاد والتوعية الصحية والنفسية، وأن تمنع تشغيلهم وتعاقب من يفعل ذلك، وعلى الدول التي لم ينزح إليها الأطفال مد يد العون للدول المضيفة لهم، وتزويدهم بالإمكانات المادية والبشرية، وأعتقد أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية.

 إنه من غير الإنساني وغير الاستراتيجي ترك مئات الآلاف من الأطفال يشبّون جاهلين وضعافاً، تربيهم العصابات والتنظيمات المسلحة أو المجموعات التي تتاجر بهم، وتأتي تقارير من دول الجوار لسوريا عن استغلال الأطفال، وتركهم من دون مدارس، يمتهنون التسوّل لتدبير معيشتهم، أو لا توفّر لهم الخدمات الصحية والعلاجية اللازمة.

 إن عدم معالجة هذه القضية، والتأخر في إعادة إعمار إنسانية النازحين، وعلى رأسهم الأطفال، سيسهم في خلق جيل منحرف وشاذ ومتطرف سيتحول إلى عبء على المجتمع والدول.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"