عادي
ظلّت قضايا الهنود على رأس اهتماماته

ميجيل أستورياس.. شاعر يختبئ خلف قناع الروائي

23:37 مساء
قراءة 3 دقائق
2001

الشارقة: «الخليج»

تصادف اليوم الذكرى السابعة والأربعين على رحيل الكاتب الجواتيمالي ميجيل انخيل أستورياس(19 أكتوبر 1899-9 يونيو 1974 )، الحائز نوبل في العام 1967، ولعلّه الكاتب الجواتيمالي الوحيد الذي يحصل على هذا الفوز العالمي، لكنه ليس غريباً على كتّاب أمريكا اللّاتينية أوّل من وُلِدَ في فضاءاتهم الروائية مصطلح الواقعية السحرية، غير أن أستورياس قد تكون له صفة امتيازية بين كتّاب الكاريبي الذين يكتبون بالإسبانية، فهو إلى جانب كونه روائياً هو أيضاً دبلوماسي، ويلتقي بهذه الصفة مع نيرودا الذي كان دبلوماسياً، فضلاً عن أن أستورياس هو أيضاً شاعر، ولكن نوبل ذهبت إلى صاحب «السيد الرئيس» لكونه روائياً وليس لاعتباريته الشعرية، ومع ذلك، يقول بعض من كتب عنه أنه يخبئ الشاعر في داخله الروائي أو أن معطفه الروائي يخبئ الشاعر فيه، وأياً كانت طبيعة أستورياس الأدبية فهو كاتب إنساني، ظلّت قضايا الهنود وشعوب المايا من اهتماماته الثقافية والفكرية الأساسية.

تأثر أستورياس بالثقافة الفرنسية، حيث أمضى في باريس عشر سنوات، ودفن في مقبرة في العاصمة الفرنسية، وقبل ذلك كان يقيم في مدريد.

اهتم أستورياس، كما قلنا، بالثقافة الشعبية والتاريخ التراثي لهنود قبائل المايا، ونجم عن ذلك كتابه «أساطير من جواتيمالا»، ولكن عودة إلى أستورياس الشاعر، فله قصائد مترجمة إلى العربية، وتتحدث هذه القصائد عن مدن فلسطينية كان زارها أستورياس، لا بل تتحدث إحدى قصائده عن زيارته لبحيرة طبريا التي اختفت أو تكاد تختفي الآن عن وجه الخريطة.. يقول في قصيدة «طبرية»:

«في هذه البحيرة الزرقاء/ حيث تحلّق طيور ودودة/ وعلى المياه تسري انعكاسات شمس

تضاعف خطى قدميها/ المعمّدتين في نهر الأردن».

إلى العربية

عملياً، عرف القارئ العربي ميجيل أنخل أستورياس من خلال روايته «السيد الرئيس»، وأذكر أن هذه الرواية نقلت بهذا الاسم أو بهذا العنوان إلى العربية للمرة الأولى في العام 1985 وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت بترجمة عن الإسبانية أنجزها ماهر البطوطي.

تذكر بعض مصادر المعلومات عن أستورياس أنه حاز نوبل على هذه الرواية بالذات، ويعتبرها البعض علامة بارزة في أدب أمريكا اللّاتينية لا تقل أهمية عن «مئة عام من العزلة» لماركيز، وفي حين تبدأ رواية ماركيز عن قرية مغبرة وتشتبك فيها الحكايات، كما يشتبك الواقعي بالسحري، فإن رواية «السيد الرئيس» هي رواية رئيس ديكتاتوري استبدادي، وفي سياق الكتابات العربية العديدة التي ظهرت بعد ترجمة الرواية، هناك من قال إنها تلخيص أدبي سردي يوثّق أدبياً لطغيان الديكتاتوريات المتنقلة في ما يُسمى في أمريكا.. جمهوريات الموز.

تبدأ رواية «السيد الرئيس» بأجراس كاتدرائية، فيما الشحّاذون يجرّون أرجلهم وسط المطاعم الشعبية الصغيرة في السوق.. «ضائعين في ظلال الكاتدرائية المتجمّدة، في طريقهم إلى ميدان السلاح على طول شوارع رحبة كأنها البحار، تاركين وراءهم المدينة منعزلة وحيدة..».

جاءت الرواية في 41 مشهداً متقطعاً تولف في بنائها العام والأخير سردية حرّة تراوح بين الوصف والحوار، وحتى السخرية، بل والغناء:

.. «أيتها الدمية الصغيرة/ أي نحّات ماهر صنعك/ أي صانع أعطاك: هذا الوجه اللطيف/ إنه ليس بنيامين الأراجوز/ لا، ليس هو الذي جعل دمية لطيفة».

زلزال مدمر

في العام 1917 ضرب زلزال مدمّر جواتيمالا، ألحق أضراراً كارثية بالكثير من الكنائس والكاتدرائيات، وقد كان لهذه المشاهد الأثر البالغ في نفسية أستورياس الذي كان في نحو الثامنة عشرة من عمره وقت وقوع الزلزال.. وفي ما بعد أي في العام 1970، سأله الناقد الأدبي الألماني جونتر دبليو لورنز «لماذا بدأت الكتابة؟»، فقال أستورياس: نعم في الساعة 10:25 مساء من 25 ديسمبر 1917 دمّر زلزال مدينتي. أتذكر أنني رأيت شيئاً مثل سحابة هائلة تغطي القمر. كنت في قبو، هناك، وبعد ذلك، كتبت قصيدتي الأولى.. وداعاً لجواتيمالا..».

إلى جانب الإرث الهندي أو حتى (العِرْق الخلاسي) إن جاز الوصف، تشبّع أستورياس بالطبيعة الجغرافية، والميثولوجية، والتراثية لبلاده من حيث الثقافة الشعبية والفنون والموسيقى التي أنجزها السكان الأصليون في جواتيمالا مضافاً إلى كل ذلك كما جاء قبل قليل حياة أستورياس في باريس، والتقائه مع بعض رموز الثقافة العربية في زيارات قام بها إلى مصر، كل ذلك كان له الأثر المهم في تشكيل شخصية ميجيل انخل أستورياس الذي يلتقي في إبداعيته الإنسانية مع فنانين إنسانيين أيضاً من بلاده: لويس رولاندو، كارلوس ميريدا، وروبرتو جونزاليس، وغيرهم من صنّاع الأدب والفنون والغناء والموسيقى في بلد يوصف أنه الأكثر اكتظاظاً بالسكان في أمريكا الوسطى، وربما لهذا السبب، يقرأ أستورياس في جواتيمالا بوصفه رمزاً معاصراً يمثل التفلّت من ربق الاستبداد، ونموذجاً رفيعاً للأدب المعاصر الذي أهّله وأهّل بلاده لوسام نوبل، وهو وسام أدبي لم يتكرر في بلد أستورياس حتى اليوم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"