عادي

التلعثم يؤدي إلى فقدان الثقة والانعزال

21:34 مساء
قراءة 6 دقائق

نقابل في بعض الأحيان أشخاصاً - سواء كانوا أطفالاً أو بالغين – لا نستطيع استيعاب حديثهم، لأنهم يعانون مما يعرف بالتأتأة، أو التلعثم.

ويطلق الأطباء والخبراء على هذه المشكلة مسمّى اضطراب الطلاقة، ويبدأ في مرحلة الطفولة، ويصنف على أنه أحد أنواع اضطرابات الكلام، وينطوي على مشاكل متكررة في تدفق الكلام والطلاقة الطبيعية.

يمكن مثلاً أن يكرر المصاب بهذه المشكلة الكلمة، أو يطيل فيها، أو في مقطع منها، أو صوت ساكن، أو ربما يتوقف أثناء الكلام، وفي الأغلب فإن المصاب بهذا الاضطراب يعرف ما يريد قوله، غير أنه لا يستطيع التحدث به.

ويرى الأطباء أن التلعثم بالنسبة إلى الأطفال الصغار حالة طبيعية، ومن الممكن أن يكون ذلك راجعاً لضعف قدراتهم اللغوية أو أنها ليست متطورة بشكل كاف حتى تتماشى مع ما يريدون قوله، ويتخلصون من هذه المشكلة عندما يكبرون.

ويمكن أن تصبح المشكلة مزمنة وتستمر حتى البلوغ، وفي هذه الحالة فإن التأتأة تؤثر في تعامل المصاب مع الدوائر المحيطة به، وتجعله فاقداً للثقة بنفسه، كما ينعزل عن المجتمع، ويصاب بمشاكل نفسية.

ثلاثة أنواع

هناك العديد من أنواع التلعثم، ويعد أبرزها التلعثم التنموي، وفي الأغلب فإنه يظهر في الأطفال في مراحل مبكرة، وبخاصة في المرحلة العمرية بين سنة ونصف السنة، وسنتين.

وتزيد فرصة الإصابة بهذه الحالة بسبب الوراثة والجينات، وفي العادة فإن الطفل يتعافى من هذا النوع بمرور الوقت من غير الحاجة إلى علاج.

ويمكن أن تؤدي بعض العوامل في تحول مشكلة التلعثم لدى الطفل إلى مشكلة طويلة المدى، ومن ذلك العمر، فلو أصيب الطفل بالتلعثم بعد عمر الثالثة فإن فرصة التعافي تكون أصعب.

وتستمر المشكلة كذلك إذا استمر الطفل يتلعثم في الكلام أطول من 6 أشهر، وتكون فرص التعافي أيضاً أقل لو أصيب باضطرابات ومشاكل أخرى في النطق.

عصبي وانفعالي

يعرف النوع الثاني من التلعثم بالتلعثم العصبي، والذي ترجع الإصابة به غالباً إلى وجود مشكلة لدى المصاب في الجهاز العصبي، ممكن أن تكون أثرت بالسلب في الجزء المسؤول عن تنسيق النطق في الدماغ.

وتشمل هذه المشكلات السكتة الدماغية، وتعرّض الرأس لحادث أو صدمة، وفي حالة الإصابة بالأورام أوالتهاب السحايا، أو مرض باركنسون.

وترجع الإصابة بالتلعثم الانفعالي إلى تعرض المصاب لصدمة نفسية شديدة، بحسب اعتقاد بعض العلماء، والتي ربما حفزت على هذا الاضطراب.

يومكن أن تزيد المشكلات النفسية الأمر سوءاً لو كان الشخص مصاباً من الأول بالتلعثم، غير أن البعض لا يعتقد أنها تنشئ التعلثم لدى الإنسان السليم.

وتتضمن هذه المشكلات التي تزيد التلعثم سوءاً القلق والتوتر والعصبية والخجل، وانخفاض مستويات الثقة بالنفس.

التوقف فجأة

تعد أبرز أعراض التلعثم تكرار المصاب بهذا الاضطراب نطق بعض الكلمات أو المقاطع الصوتية، كما يتردد قبل أن ينطق الكلمات.

وتجد المصاب يتوقف فجأة عن الحديث قبل أن ينتهي من نطق الكلمة كاملة، كما يقوم بمط بعض الكلمات، أو أنه يأخذ وقتاً أطول بصورة نسبية حتى ينطق بالكلمة كاملة.

ويلاحظ أن المصاب بالتلعثم يبدأ نطق الكلمات والجمل بصعوبة، وعند محاولته نطق كلمة، أو تكوين جملة، فإن ملامح وجهه أو النصف العلوي من جسمه يتوتر، ويتشنج بصورة ملحوظة.

ويزداد التلعثم سوءاً لو كان المصاب متعباً أو منفعلاً، أو يتكلم تحت ضغط، كأن يتحدث مثلاً أمام مجموعة من الناس، أو عبر الهاتف، وعلى الرغم من ذلك فإنه يتحدث من دون مشكلة في بعض الأحيان، كأن يتحدث لنفسه، أو يقوم بنشاط يحتاج إلى أن يغير فيه صوته، كالغناء، أو التمثيل على سبيل المثال، كما أنه يتحدث بشكل طبيعي عندما يكون منسجماً في الحديث مع شخص آخر.

سلوكات ثانوية

يمكن أن يلجأ المصاب إلى بعض الإجراءات التي يحاول بها إخفاء مشكلة التلعثم لديه، كأن يستبدل كلمات بأخرى حتى يتجنب النطق بها، أو يعيد ترتيب الكلمات في الجملة بشكل غريب.

وتظهر عليه بعض السلوكات الثانوية، فتراه يقبض كفيه، أو يحرك عينيه بسرعة، أو تكون لديه رجفة في الفكين أو الشفتين، أو يحرك رأسه بشكل معين.

ويجب مراجعة الطبيب عند ملاحظة أعراض التأتأة، وكذلك لو بلغ الطفل عامه الخامس ولا يزال يتلعثم، وفي حال استمرار هذه المشكلة لأكثر من 6 أشهر، أو عند تجنب المصاب التواصل مع الآخرين، أو في حالة القلق من التأخر الدراسي.

ويتسبب هذا الاضطراب ببعض المضاعفات التي في الأغلب تكون نفسية، وربما زادت من حدة الاضطراب، ويعاني المصاب من مشاكل في التواصل مع الآخرين، ويفقد الثقة بنفسه، ويتجنب أي موقف يحتاج فيه للتحدث، وبالتالي فإن المصاب يفقد أي مشاركة اجتماعية في الدائرة المحيطة به من زملاء دراسة أو عمل.

العامل الوراثي

يعد أبرز أسباب الإصابة بمشكلة التأتأة وجود تاريخ سابق للإصابة بها لدى أحد أفراد العائلة، وفي الأغلب فإن الأطباء والباحثين لا يزالون يجهلون سبب هذه المشكلة.

وتلعب بعض العوامل دوراً في هذا الأمر، فعلى سبيل المثال، فإن إصابة الطفل بالتلعثم النمائي قبل عمر الثالثة يجعله أقل عرضة للإصابة بهذا الاضطراب، فكلما بدأ التعلثم مبكراً كان احتمال استمراره على المدى البعيد أقل، كما أن وجود مشكلة أخرى في الكلام واللغة، أو تأخر النمو، يزيد من هذه المشكلة.

وتزيد احتمالية أن تصبح مشكلة التلعثم طويلة الأمد إذا استمرت، ولذلك فإن أغلب الأطفال الذي يعانون من هذه المشكلة يتخلصون منها في ظرف من عام إلى عامين من دون الحاجة إلى العلاج.

ويعد من العوامل المؤثرة كذلك الجنس، فالملاحظ أن معدل الإصابة في الذكور أكبر منه في الفتيات بنحو أربع مرات.

مراقبة وأسئلة

يقوم أخصائي التخاطب واللغة بتشخيص حالات التأتأة والتلعثم، من خلال مراقبة الطفل أو الشخص البالغ وهو يتحدث في مواقف عدة.

ويطرح الأخصائي أو الطبيب عدداً من الأسئلة على والد الطفل المصاب، كأن يتعرف منه إلى التاريخ المرضي للطفل، والذي يشمل متى عانى الطفل من التلعثم، وتوقيت تكرار هذا الاضطراب، ويتعرف منه كذلك إلى كيفية تأثير التلعثم في حياة الطفل، وعلاقته بالآخرين، وأدائه في المدرسة.

ويتحدث الطبيب مع الطفل، ومن الممكن أن يطلب منه أن يقرأ بصوت مرتفع، حتى يلاحظ الاختلافات الدقيقة في كلامه.

طبيعي أو مرضي

يميّز الطبيب كذلك بين تكرار المقاطع ونطق الكلمات الذي من الممكن أن يكون طبيعياً، أو أنه حالة مرضية طويلة الأمد، ويستبعد أي سبب غير واضح ربما كان هو السبب وراء الاضطراب في الكلام.

ويتعرف الطبيب أو أخصائي التخاطب إلى التاريخ الصحي للمصاب البالغ، بما في ذلك متى بدأ هذا الاضطراب، ومتى تكون أعراضه حادة.

ويستبعد أي سبب صحي كان، ومن الممكن أن يكون هو سبب التأتأة، كما أنه يتعرف إلى الأدوية التي يتناولها المريض، والتي ربما ساعدت في تحديد أسلوب العلاج.

ويتعرف أيضاً إلى أثر التأتأة فيه، وفي علاقته وأدائه لعمله، وما حجم التوتر الذي يتسبب به هذا الاضطراب.

تساعد كثيراً

تتوافر مجموعة من العلاجات التأهيلية لعلاج حالات التلعثم، والتي تختلف وفق عوامل عدة، لعل أبرزها عمر المصاب، وأخصائي التخاطب هو من يحدد أفضل الخيارات.

ويجب الانتباه إلى أن هذه العلاجات ربما لا تقضي على التلعثم بصورة تامة، غير أنها تساعد المصاب على تحسين الكلام لديه، وتطوير التواصل الفعال، وانخراطه في الأنشطة الاجتماعية والدراسية بشكل كامل.

وتشمل طرق العلاج: علاج النطق باستخدام تمارين معينة للتحدث ببطء، وتصحيح النطق والتحكم في التنفس، ومن الممكن أن استخدام بعض الأجهزة الإلكترونية التي تساعد على طلاقة الكلام.

ويمكن اللجوء في بعض الحالات للعلاج السلوكي المعرفي، كما ينصح بزيادة حجم التفاعل بين الوالدين والطفل المصاب، وكذلك بينه وبين الدوائر المحيطة به، كالمعلمين على وجه الخصوص.

نصائح للوالدين

ينصح الباحثون والخبراء أهل الطفل المصاب بالتأتأة بنصائح عدة، أولاها الصبر عليه قدر الإمكان، وتوفير جو هادئ له.

ويجب عدم الإلحاح عليه بالتحدث بدقة، أو بصورة صحيحة طوال الوقت، مع تجنب التصحيحات والانتقادات بشكل علني.

وينبغي كذلك ألا يجعله الوالدان يقرأ بصوت عال، أو يتحدث وهو غير مرتاح، أو كان التلعثم زائداً والطفل في حالة ارتباك، مع عدم مقاطعته وإجباره حتى يتحدث من جديد، أو يفكر قبل أن يتحدث.

ويعد من الأمور المهمة أن نتحدث للمصاب بالتلعثم بوضوح، مع الحفاظ على اتصال العين عند الحديث إليه، وفي حالة كان يبكي فمن الأفضل ألا يتحدث، وإنما نصرف انتباهه لشيء آخر.

ويجب عدم السخرية من الطفل المصاب سواء من أقرانه وأصحابه في المدرسة، أو المحيطين به، حتى لا يكون ذلك سبباً في زيادة المشكلة، ودخول الطفل في حالة عزلة اجتماعية، والإصابة ببعض الاضطرابات النفسية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"