أن تكون رجلاً يعني أن تتحول من إنسان إلى حجر، أن تستحيل قطعة خشبية دون مشاعر، أو روبوتاً بأطراف بشرية وقلب اصطناعي لا يعرف سوى ضخ المعلومات إلى جهاز الكمبيوتر المزروع في رأسك.
الرجولة تعني ألا تتصبب عرقاً من الخوف أو التوتر، وألا تنساب قطرات المطر الصغيرة من عينيك، بل أن يبقى الدمع حبيس الفؤاد، وأن تستيقظ كل صباح كمحارب شجاع مهمته مجابهة العواصف العاتية دون أن يرفّ له جفن، ثم تخلد إلى النوم، لتصحو مجدداً على صوت الواجب والمسؤوليات غير المنتهية.
هكذا هي صورة الرجولة في عقول غالبية الناس حول العالم، حيث ينبغي للرجل أن يكون منيعاً تجاه العواطف الإنسانية، محصّناً من الانهيارات العصبية، لا يهتز جفنه لحادثة أو مأساة أو شعور طارئ، كما لو أنه مفرّغ من المشاعر والأحاسيس.
ثم تسمع من يقول إن «الرجل من المريخ والمرأة من الزهرة»، على اعتبار أن منبت الرجال مختلف؛ ولهذا عليهم بحكم الضرورة أن يكونوا مختلفين في كل شيء، فإذا كانت المرأة تبكي فلا بد لكَ، كرجل،ألا تذرف دمعة واحدة طيلة حياتك. وإذا كانت المرأة تتألم وتشعر بوعكات عاطفية، فينبغي عليك ألا تدع العاطفة تغلبك ولو مرة واحدة، وإذا كانت النساء يشعرن برغبة شبه دائمة بالتعبير عن مشاعرهن فعليك كرجل ألا تعبر عن مشاعرك، بل أن تحبس عواطفك في زنزانة الرجولة؛ وإلا فإن الحرية تعني أن تخسر رجولتك أمام العالم بأسره!
مرت على البشرية عقود طويلة، ولا نزال حتى يومنا هذا، برغم كل التقدم الذي حققناه على مختلف الأصعدة، نعاني شيوع هذه النظرة المنقوصة تجاه مفهوم الرجولة، المحصور في أذهاننا بالقوة والشجاعة؛ كأن القوة تعني انعدام المشاعر، والشجاعة تعني انعدام الخوف!
إن تربية الذكر منذ الصغر على كبت مشاعره، وعدم إظهار الضعف بصرف النظر عما يحس به ويكابده، خلق موجة كبيرة من الأمراض النفسية التي ألقت بظلالها على المجتمعات بأسرها، فتجلت في العنف الأسري، والعُقد الداخلية، والإحساس بالكبت المستمر، فلا منفذ للرجل سوى قبضة اليد في غير محلها، والتصرفات الرعناء، والعصبية الهوجاء المدمرة.
إن الرجولة الحقيقية ليست كما يُشاع، إنها القوة الناجمة عن الاعتراف بالضعف، والشجاعة المبنية على الحذر الذكي وتقبل الخوف كجزء من الحياة، والعاطفة الجياشة التي تعبر عن نفسها بالمواقف العملية تارة وبالتفاعل الإنساني تارة أخرى، والتعبير عن المشاعر بأريحية دون مخافة فقدان احترام الناس. يقول المثل الإنجليزي:
أنت رجل؟ حسناً، لا يزال بمقدورك التعبير عن مشاعرك، فالمشاعر ليست حكراً على النساء!
عن الكاتب
المزيد من الآراء
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا
