الضريبة التــي صفّــق لهـــا دافعوهـــا

22:46 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *

تصريح صغير لا يتجاوز بضع كلمات على «تويتر»، أورده يوم السبت 5 يونيو/ حزيران 2020، وزير الخزانة البريطاني ريشي سوناك، كان كافياً لأن يتحول إلى الخبر الأهم في عالم المال والأعمال. مفاد الخبر، كما أعلنه الوزير: «سعيد لأن أُعلن اليوم بعد سنوات من المناقشات أن وزراء مالية مجموعة السبع توصلوا إلى اتفاق تاريخي لإصلاح النظام الضريبي العالمي».

هو تاريخي بالنسبة إلى الجميع، لكنه أكثر أهمية وتاريخية لأوروبا التي كافحت طوال السنين الماضية عبر الأطر المؤسسية الاقتصادية الكبرى، مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، ومجموعة العشرين، ومجموعة السبع (التي استأنفت نشاطها بعد الدخول في الحقبة الثانية من الحرب الباردة بين الغرب وكل من الصين وروسيا). فجاءت كأنها هدية من السماء، لأنها لم تكن لتحصل عليها لولا تخلي الولايات المتحدة عن اعتراضاتها ضد فرض هذه الضريبة، وهو ما اضطرتها إليه جائحة «كورونا» واستنزافها لماليتها العامة المستمر بصورة تبدو لانهائية.

أما الطرف الآخر الذي لم يكتم ارتياحه وتنفسه الصّعداء، فقد كان كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية (المستهدَفة الأساسية للضريبة على مدى سنوات التفاوض)، مثل «جوجل»، و«أبل»، و«أمازون». فسقف الحد الأدنى الذي حدده وزراء مالية مجموعة السبع، جاء أقل بكثير مما كانت تتوقعه وتخشاه، بل هذا هو ما تبغيه، من حيث إنه يضفي الشرعية على مستوى الضريبة المنخفض الذي تفرضه الجنات الضريبية الأوروبية: سويسرا، إيرلندا؛ وكذلك سنغافورة في آسيا، وغيرها من الجنات الضريبية العالمية. متحدث باسم «أمازن» قال: «إن اتفاق مجموعة السبع خطوة مرحب بها إلى الأمام في الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في النظام الضريبي الدولي». والمتحدث باسم «جوجل» قال: «نحن ندعم بقوة العمل الجاري لتحديث القواعد الضريبية الدولية، ونأمل أن تواصل البلدان العمل معاً لضمان الانتهاء من اتفاق متوازن ودائم قريباً».

طبعاً، هم كانوا ينتظرون ضريبة نسبتها 25%، أو على الأقل 21%، كما كان طالب الجانب الأمريكي، وكما اقترح الرئيس جو بايدن. ولذلك جاء رد فعل المنظمات غير الحكومية الدولية، مثل مجموعة «أوكسفام» الدولية التي تضم 20 مؤسسة تعمل على مكافحة الفقر في العالم؛ والتي قالت: «من السخف أن تدعي مجموعة الدول السبع أنها تعمل على إصلاح نظام ضريبي عالمي معطل من خلال وضع حد أدنى عالمي لمعدل الضريبة على الشركات يشبه المعدلات الميسرة التي تفرضها الملاذات الضريبية مثل إيرلندا وسويسرا وسنغافورة. إنهم يضعون المعايير منخفضة للغاية بحيث يمكن للشركات تخطيها، وسيكون وقف الانفجار في عدم المساواة الناجم عن «كوفيد-19»، ومعالجة أزمة المناخ، أمراً مستحيلاً إذا استمرت الشركات في دفع هذا الفُتات الضريبي. هذه ليست صفقة عادلة، ولا يمكن لمجموعة السبع أن تتوقع من أغلبية دول العالم قبول الفُتات من مائدتها».

ولسنوات ظلت المحادثات في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول كيفية التصدي لتحايلات الشركات العالمية الكبرى على الأنظمة الضريبية لتحويل أرباحها حول العالم، تراوح مكانها بسبب ممانعة أمريكية، من حيث إن الشركات المستهدفة هي أمريكية بالدرجة الأولى، بحسبان أن شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الكبرى، هي أمريكية. وحين تم التوافق على ألا تقتصر هذه الضريبة على شركات التكنولوجيا، وحين أصبحت جميع الحكومات الغربية، ومنها الحكومة الأمريكية، في وضع مالي استثنائي بسبب الكلفة الباهظة لجائحة «كورونا»، أصبح التوصل لاتفاق بين حكومات الدول الرأسمالية الكبرى السبع، ممكناً. وهو ما تم في لندن، لكن بسقف اعتُبر مخيباً، لأنه أولاً يشترط لفرض الضريبة ألا تقل أرباح الشركة محل الضريبة عن 10%؛ فوفقاً للنسخة النهائية من الاتفاق النهائي، فإن وزراء مجموعة السبع «سيلتزمون بضريبة دنيا عالمية لا تقل عن 15% على أساس كل بلد على حدة؛ وسيلتزمون بالتوصل إلى حل عادل بشأن تخصيص الحقوق الضريبية، مع منح دول اقتصاد السوق حقوقاً ضريبية على ما لا يقل عن 20٪ من الأرباح التي تتجاوز هامش 10% لأكبر الشركات المتعددة الجنسية وأكثرها ربحية». وثانياً، هذا السقف هو سقف الملاذات الضريبية في أوروبا ومعظم المراكز المالية في آسيا والكاريبي.

هذا الاتفاق أيضاً، على أهميته، فإنه ليس نهائياً، فهو أولاً ينتظر توافقاً على مستوى الضريبة التي ستفرض على الخدمات الرقمية، وهو مطلب فرنسي ملحّ، وشكّل نقطة خلاف رئيسية مع الولايات المتحدة، حيث فرضت الحكومة الفرنسية ضريبة مؤقتة (لعدم وجود اتفاق معدد الأطراف بعد) على شركات التكنولوجيا الأمريكية، وهددت واشنطن بفرض رسوم على الصادرات الفرنسية إليها. ولذا عبّر وزير المالية الفرنسي برونو لو مير، عن تطلع بلاده لاتفاق شامل على مستوى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال هذا الصيف. وأيّدته أيضاً وزارة الخزانة البريطانية التي أكدت أنه في الوقت الذي ترحب فيه بالاتفاق الجديد، فإن مركز اهتمامها ينصب على «إعادة توزيع الأرباح بحيث يتم فرض ضرائب على الشركات الرقمية الكبيرة في البلدان التي تحقق فيها مبيعات». فضلاً عن أن الاتفاق يجب أن يحظى بدعم أطراف أخرى مهمة في النظام الاقتصادي العالمي، كي يصبح اتفاقاً متعدد الأطراف، وملزماً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"