عادي
مؤسس مدارس الشعلة..

إبراهيم بركة: قدت الحافلة المدرسية وزوجتي المشرفة

01:10 صباحا
قراءة 7 دقائق

حوار: أمير السني
الإمارات وطن النجاح.. جملة بسيطة، تتكون من مبتدأ وخبر، الأول يستقر في الروح والثاني يخاطب العقل، فقصص النجاح التي ولدت على أرض الإمارات الطيبة، أكثر من أن تحصى، ففي بلاد «زايد الخير» نسج الكثير من المقيمين خيوط حياتهم، قدموا إليها إما مستثمرين صغاراً، أو موظفين بعقود محددة، فأحسنوا إدارة أموالهم وأفكارهم، فحلقوا بمشاريعهم ونجاحاتهم في سماء العالمية.
في هذا «الملف» الذي يُنشر على حلقات تفتح «الخليج» قلبها وتصغي بشغف إلى حكايات وافدين، اختاروا الإمارات وجهة لكي يحققوا ذواتهم، ويحلقوا بأحلامهم، فوجدوا وطناً دافئاً ديدنه التسامح والتعايش، يستقبلهم بابتسامة مرحبة، ويهديهم الأمل ويمنحهم السعادة، وأحاطهم بالأمن والعدل وسيادة القانون، ووفر لهم البيئة الخصبة والفرص والمزايا للجميع دون استثناء، فأسسوا مشاريعهم وتمددت نشاطاتهم في مختلف أرجاء العالم، ولكن الأهم أنهم عثروا على كنزهم الخاص: الإمارات.
في كل حلقة سنسرد قصة نجاح، ونرحل مع صاحبها منذ أن وجّه بوصلته إلى بلادنا الغالية، حيث جميعهم بلا استثناء يردّون الفضل فيما وصلوا إليه، إلى هذا الوطن المعطاء، وقيادته التي فتحت أذرعها، واحتضنتهم، ملف يروي قصص ناجحين، لكننا في الحقيقة نروي حكاية وطن لا يعرف إلاّ النجاح.

إذا كان في السفر سبع فوائد.. فالعلم كنز به آلاف الفوائد.. وإذا كان السفر يفيد المسافر وحده فالعلم يفيد ملايين البشر.. لهذا التقت «الخليج» رجل التعليم مؤسس مدارس الشعلة إبراهيم بركة، الذي جاء إلى الإمارات عام 1978 واستقر في الشارقة ولم يغادرها.. أربعين عاماً ونيف قضاها إبراهيم بركة بالشارقة في رحلة نجاح حافلة بآلاف الدروس والعِبَر والذكريات.. ماذا فعل الرجل للشارقة وماذا أعطته الإمارة الباسمة؟

حوار صحفي مع ابراهيم بركة مؤسس مدارس الشعلة
تصوير يوسف الامير

اقتربنا من الرجل وهمسنا في أذنه «افتح صندوق الذكريات ماذا تختزن داخله؟».. إبراهيم بركة كشف لنا عن كلمة السر في نجاحه وكانت هي العلم، كما قدم لنا معادلة لفك شفرة المستقبل وهي معادلة لا تخرج عن العلم أيضاً؛ إذ إن أطرافها الطالب والمعلم وولي الأمر. وحكى كيف بدأ رحلة نجاحه في الشارقة من مدرسة صغيرة أنشأها داخل فيلا على شارع الكويت في الشارقة العام 1983، لم يتعجل هو وإخوته، العائد المادي، وإنما استلهم روح المثابرة على تحصيل العلم.. تلك الروح التي تعيش في وجدانه منذ كان طالباً يدرس داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان.. حتى أصبح رجل تعليم في الإمارات وأنشأ مدارس الشعلة، إحدى المنارات التعليمية في دولة الإمارات.
شمال فلسطين
ينحدر إبراهيم بركة من قرية «صفورية» شمال فلسطين، حيث وُلِد محاطاً برعاية والديه وسط أرض زراعية رحبة يتلألأ فيها الزيتون، ويمتد اللون الأخضر على طول البصر، حتى وقع العدوان الإسرائيلي وحلت نكبة 1948.. خرج من فلسطين متجهاً إلى مخيمات اللاجئين في جنوب لبنان ليبدأ دراسة العلم وسط طلاب عقدوا العزم على التفوق، ومعلمين لم يكونوا مجرد موظفين؛ بل أصحاب رسالة.. وعلى رأسهم معلمه وملهمه يوسف القط الذي كان يحرص على استمرار الدراسة وألا تتوقف لأي سبب.. يوسف القط كان يجلس معنا في الليل على ضوء الفانوس ليعلمنا الموسيقى، ويذهب معنا إلى نهر قريب ليعلمنا السباحة، وينظم الرحلات المدرسية إلى أماكن عديدة.. هكذا تعلمنا على يد معلم راقي المستوى.
إبراهيم بركة حصل لاحقاً على الشهادة الثانوية في لبنان وبعدها سافر إلى القاهرة ودخل كلية التجارة وتخرج في قسم المحاسبة عام 1968. ومنها توجه إلى السعودية وعمل مدرساً لمادة الرياضيات في إحدى القرى البعيدة التابعة للربع الخالي وبقي هناك ثلاث سنوات حتى عام 1971 وغادر بعدها السعودية إلى الكويت لمدة سبع سنوات.
مرحلة التأسيس
يتحدث إبراهيم بركة ل «الخليج» عن زيارته الأولى للشارقة عام 1978 حين جاء للعمل مديراً لأحد مكاتب تدقيق الحسابات في الإمارة ثم افتتح مكتباً خاصاً به، يقول بركة: «أعجبتني الشارقة وأدهشتني بجمالها وهدوئها وطيبة أهلها وحبهم وتعاملهم الرائع، وعلى رأس ذلك كله حنو وعطف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي يحرص سموه دائما على بناء الإنسان والمكان لأن كل منهما مكمل للآخر، كما راقني كثيراً هدوء المنطقة التي سكنت فيها وكانت فيلا قرب نادي الشعب (نادي الشارقة حالياً) مقابل 11 ألف درهم في السنة، وطوال إقامتي في الدولة لم أسكن سوى في الشارقة ولم أغادرها قط».
وكانت وسائل الرفاهية قليلة جداً فلم تكن هناك حدائق كالتي يراها الناس الآن ومن كان يريد التنزه يخرج هو وأسرته إلى شاطئ البحر للاسترخاء.. والحياة كانت بسيطة وليست معقدة ولا سريعة.
حضر شقيقا إبراهيم بركة إلى الإمارات، أوائل الثمانينات وكانا معلمين.. فجلس معهما، وقرر الأخوة الثلاثة إنشاء مدرسة خاصة عام 1983، وأطلقوا عليها اسم «الشعلة» وحققوا نجاحاً كبيراً، حيث فتحت لهم الشارقة قلبها ومكاتب مسؤوليها الذين لا يردون صاحب طلب ووجدوا منهم الود والتعاون ولم توضع أية حواجز أمامهم.

ويوضح بركة: الظروف كانت صعبة في ذلك الوقت قبل ثلاثين عاماً وكانت المدارس تفتقد الكثير من الاحتياجات الضرورية، فقد بدأت مدرسة الشعلة بصفين الأول والثاني، وحاولت أنا وزوجتي وهي أيضاً معلمة وشقيقاي إدارة المدرسة، وأذكر أنني اضطررت في وقت من الأوقات أن أقود الحافلة المدرسية بنفسي على أن تكون زوجتي المشرفة.. حتى أصبحت سمعة المدرسة جيدة، ورغب أولياء في إلحاق أبنائهم بها وتطور السلم التعليمي داخل المدرسة حتى وصلنا إلى المرحلة الثانوية، وأول دفعة تخرجت في المدرسة كانت تضم 17 طالباً وطالبة (9 ذكور و8 فتيات)، وكان التعليم بدولة الإمارات في ذلك الوقت جيد المستوى ويجد إقبالاً كبيراً من الطلبة وشغفاً بالعلم والدراسة والذهاب في الرحلات المدرسية التي كانوا يقضون فيها أجمل الأوقات. في حين يدرس لدينا الآن 9350 طالباً وطالبة.
وساعد على نجاح المهمة، جدية الطلاب واهتمامهم بتحصيل العلم، إضافة إلى تعامل الأهالي وتعاونهم، ومتابعة أبنائهم.
ملامح تاريخية
ويتذكر بركة حياة الإمارات في السابق والتي خطت إلى الإمام بشكل نوعي فريد وفي كل نواحي الحياة قائلاً: «عندما أزور دبي أشعر أن هذه المدينة تسابق الزمن وأنها ولدت من جديد في بضع سنوات، ولا أكاد أعرف دبي القديمة لأنها تختلف جذرياً عما نشاهده الآن ومثلاً أتذكر طريق أبوظبي العين الذي كان السفر عليه أشبه بالمغامرة، إذ كان ضيقاً وباتجاهين تنقصه الإضاءة والخدمات، كما أذكر طريق رأس الخيمة؛ إذ كانت الجمال ترعى على الطرقات وكل ما يشاهده أبناء اليوم هو حصيلة جهد وعرق خلال العقود الماضية، وكلما زارني صديق من خارج الإمارات اندهش بالذي يشاهده ولايكاد يصدق أن ذلك تحقق خلال سنوات معدودة».
ويشير إلى أنه يمتلك مزرعة في الذيد يذهب إليها بين فترة وأخرى، كما يحب التوجه إلى السوق المركزي وسوق الخضر القديم وإلى شاطئ البحر وقال: الحقيقة أنني لا أحصر استراحتي بالشارقة وحدها فإضافة لتعلقي ببحيرة خالد الرائعة أذهب أحياناً كثيرة إلى رأس الخيمة وإلى العين المدينة الجميلة للصعود إلى جبل «حفيت» وقضاء الساعات في استراحة عين الفايضة ولم أترك مكاناً في الإمارات إلاّ وزرته ولا أستطيع إحصاء الأماكن التي أحبها فهناك شاطئ كلباء وشاطئ خورفكان وغيرها الكثير كما أنني أحب الرحلات وكثيراً ما أقمت في مخيمات في رأس الخيمة والعين.
ويؤكد أن دولة الإمارات أغنته عن الهجرة إلى دول أوروبا قائلاً: «فكرت في أحد الأيام بالهجرة إلى كندا أو أستراليا لكنني تراجعت ولم استطع فراق هذا المكان أو تغيير هويتي فنسفت الفكرة نهائياً وبقيت في الإمارات، ورغم أنه يقال الكثير عن تلك الدول ومغرياتها لكنني لن أترك هويتي العربية وطريقة حياتي؛ إذ ولدنا هكذا وسنبقى وهذه الهوية ستبقى مفخرة لنا رغم كل ما يقال عنا ورغم الصعوبات التي نواجهها، وتشاركني الأسرة محبة هذا المكان ورغبة البقاء فيه؛ إذ لديّ ستة أبناء ولدان وأربع بنات ولدوا جميعا في الإمارات أحبوها مثلي وأكثر فهي وطنهم الذي عرفوه وتعلموا فيه وكبروا. وجميعهم لا يبتعدون عن الإمارات إلا خلال الإجازة أو لظروف الدراسة».
ويواصل: «يعجبني في هذا الجيل إقدامه ومعرفته الواسعة بالتكنولوجيا ودخول عالم الكمبيوتر ومجالات أخرى معقدة ومقارنة بنا أجده أكثر شجاعة في التعامل مع كثير من الأشياء كنا نتريث قبل الإقدام عليها ولكن لا يعجبني في هذا الجيل تقليده للغرب وجريه خلف الصرعات المستوردة وعدم التمسك كما يجب بأصوله وجذوره وقيمه فالتجديد مطلوب ولكن لا يجب الانقطاع عن الماضي ونسيان تراث الآباء والأجداد لأن في ذلك خطراً كبيراً على المستقبل والمطلوب من هذا الجيل الاعتدال في التعامل مع الحياة».

ركائز النجاح
ويوضح إبراهيم بركة أن مرتكزات نجاح مسيرته التعليمية وهي ما أسماها ب «المعادلة الصعبة» والتي اعتمد فيها على ثلاثة أسس وهي الطالب والمعلم وولي الأمر، مشيراً إلى أن أهم ركيزة هي الرسوم المدرسية فما يميز مدارس الشعلة بمعقولية الرسوم فهي ليست مدرسة خيرية وليست ذات رسوم عالية، ولكن نعادل في ذلك بما يتناسب الجميع ولم نكتفِ في ذلك، بل نقدم المنح لأوائل الطلبة في تخفيض الرسوم، وتقسيط الرسوم المدرسية، بجانب توفير أوضاع معيشية جيدة للمعلمين تضمن استمراريتهم ولهذا يتميز معلمو مدارس الشعلة بالاستمرارية في العمل الوظيفي وصار هنالك معلمون يدرسون لسنوات طويلة لما يجدوه من أمان وظيفي.
ففي فترة جائحة «كورونا» نجحنا في توظيف العديد من الهيئات الإدارية التي تأثر عملها بسبب الإجراءات الاحترازية وأشركناهم في العديد من اللجان داخل المدرسة ولم نستغن عن أي كادر إداري، وهنالك ضلع ثالث مهم وهو ولي الأمر، حيث تربطنا علاقات قوية مع مجلس أولياء الأمور ونتناقش معهم ونشاركهم في جميع القرارات ونعمل على حل العوائق القائمة، وبهذا النجاح المستمر استطعنا الآن تخريج 9350 طالباً وطالبة في أربع مدارس تحمل المنهاج الوزاري ومدرسة تحمل المنهاج الأمريكي.
حفل بهيج
وتحتفل مدارس الشعلة دائماً بالطلبة الخريجين في حفل بهيج بالجامعات ذات الشراكة معنا فذلك يحفزهم للتفوق في العام المقبل، كما يتم تقديم مكافآت مالية للطلبة المتفوقين بكافة المراحل، إضافة لدور المكافآت المجتمعية من خلال تواصل القيادة الرشيدة وتشجيعها لهم، منها الاتصال الهاتفي من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، ليلة إعلان النتائج بالمتفوقين لتهنئتهم وتبليغهم بالنتيجة بعد الإفطار ليستقبلهم بقصر زعبيل في اليوم التالي، تلاه استقبالهم من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كذلك استقبلتهم سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، كما تم استقبالهم من قبل سمو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وكافأتهم جامعة عجمان بمنحة كاملة للخريجين الأوائل طوال دراستهم الجامعية بتوجيهات صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم عجمان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"