الرواية وهاجس المصير

23:15 مساء
قراءة دقيقتين

د.باسمة يونس

غالباً ما يستمد الكتاب المعاصرون إلهامهم وأفكارهم من الكتّاب الذين سبقوهم لاستكشاف المستقبل، ونتيجة لذلك تتصارع الأعمال الأدبية المعاصرة مع أحداث وتطورات أدب الماضي الذي كان بدوره يخوض رحلته الصعبة من أجل فهم الحاضر. لكن التطورات التكنولوجية في القرن الحادي والعشرين قد فرضت على الكتّاب أسلوباً جديداً جعلهم يبكّرون برحلة الهجرة لاستطلاع المستقبل واختبار العيش فيه من خلال التعليق على ما يحدث في الحاضر، ومحاولة التكهن بالحياة في عالم الغد.

ومع تزايد العولمة وتقاطعات الثقافات والمزيد من المناقشات حول العديد من الأفكار أصبحت الهوية موضوعاً مشتركاً في أدب القرن الحادي والعشرين بشكل عام، تساعد على ذلك سرعة تبادل الأفكار التي ازداد تناقلها أكثر من أي وقت مضى بوجود الإنترنت، والتطورات التكنولوجية الأخرى. ولعب اكتساب الناس مزيداً من الحرية دوراً في دفعهم لخوض مجالات كانت غير متاحة، والاطلاع على ثقافات وفلسفات متعددة، لكن مكانة موضوعَي التاريخ والذاكرة لم تتغير كثيراً، باعتبارهما من أهم ثيمات الأدب في جميع العصور.

ورغم أن التكنولوجيا تسبب قلقاً للآخرين، وتثير مخاوفهم حول زوال البشرية، وهو ما تكشف عنه مواضيع العديد من الأعمال الأدبية التي تحاول أن تفسر ما قد تعنيه سيطرة التكنولوجيا على العالم وكيف ستقوم بتصفية جميع التجارب البشرية ببساطة، فإنها تسهّل وصول الناس إلى الأعمال الحديثة بسرعة باستخدام أحدث التقنيات، مثل أجهزة القراءة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي، وتيسر على الأشخاص الراغبين في قراءة أي موضوع العثور على الأعمال ذات الصلة والتي يحتاجون إليها من أجل تفسير العديد من المشكلات الاجتماعية التي يعانيها مجتمع اليوم، ومناقشة حلّها، والوصول إلى أدب أكثر اندماجاً في حياة الناس، أكثر من أي وقت مضى.

ورغم الاعتقاد بأن العولمة تفرض لوناً واحداً في الأدب، فإن كتّاب الرواية يدركون أن التوجه اليوم نحو جمهور كبير، متطلب ومتنوع جداً، ويسعون لمواءمة أعمالهم مع هذه المتطلبات ومحاولة عدم التخلي عن أصالتها، رغم ما فعلته بهم حركات الهجرة والتنقل بين المدن ليصبح هاجس المصير هو الذي يجعلهم يحاولون الإمساك بخيوط الهوية في أعمالهم المختلفة.

ويمكن القول إن الأدب الجديد وثّق صلته بالمجتمع الحديث مقارنة بغموض علاقتهما في الماضي وما فرض على الناس من مواضيع تصعب عليهم مناقشتها ولا يستسيغون طرحها علناً، وأصبحت الروايات تتحدث بلسان الأصوات التي كانت صامتة لزمن طويل، والقضايا الاجتماعية التي كان الأدب الكلاسيكي لا يتعرض لها، أو يتغافل عنها. ورغم حضور السينما والفضاء الإلكتروني المؤثر في أدب العصر تأثيراً سلبياً في ما يتعلق بالقراءة والانتباه للأدب، فإنه يكشف مدى قدرة الأدب على الابتكار باستمرار، وتمكّنه من التكيّف والتطور مع الظروف الجديدة في أي وقت، وقد يكون هو الوقت الملائم لبدء التفكير في رسم خرائط ثقافتنا الأدبية المعاصرة من أجل تحضير توقعاتنا للمستقبل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"