واشنطن وبكين.. والتصعيد

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

لم يلتق الرئيس الأمريكي جو بايدن مع سلفه دونالد ترامب في معظم الملفات على الصعيدين المحلي والدولي، ولكنهما اشتركا في نقطة واحدة وهي مواجهة الصين ومحاولة تحجيم نفوذها باعتبارها تشكل تهديداً استراتيجياً لا بد من مواجهته.

ترامب كان قد شن حملة اقتصادية ضد الصين بهدف ضربها، وأتبعها بهجوم آخر لتحميلها مسؤولية انتشار فيروس «كورونا»، كما زاد من تحركات القطع البحرية العسكرية في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، ووطد علاقات بلاده بتايوان، وانتقد سياسات الصين الداخلية ضد الإيجور. ثم جاء بايدن مباركاً هذه السياسية، وأكمل ما بدأه سلفه؛ إذ عمل على وضع خطة مواجهة شاملة لتكبيل التنين الآسيوي المتعاظم، حيث دفع في الكونجرس بخطة استثمارات «تاريخية» في البحث والتطوير، لا سيما في مجال العلوم والتكنولوجيا، صوّت لصالح نصوصها مجلس الشيوخ، وتتضمن الإبقاء على الرسوم الجمركية على الصين ولوائح سوداء للشركات الصينية، لضمان بقاء الولايات المتحدة القوة الأولى في العالم.

فبكين زاحمت الولايات المتحدة؛ بل تجاوزتها في معركة الصناعات التحويلية التكنولوجية، كما تصدرت السباق لنشر شبكة الجيل الخامس للاتصالات (5 جي)، حيث تعتبر واشنطن التقدم الصيني في هذا المضمار خطراً يتهدد أمن أمريكا. وفي مواجهة ذلك، عملت الإدارة الأمريكية على اتخاذ إجراءات عدة لتقييد الشركات الصينية التكنولوجية؛ إذ حددت قائمة الكيانات الصينية التي يحظر على الأمريكيين الاستثمار فيها، وأبقت على الرسوم التي فرضها ترامب على الشركات، وجاهرت بأن هذه الرسوم وسيلة للضغط على بكين.

وفيما تعتزم الصين السيطرة على قطاع تكنولوجيا المستقبل بواسطة خطة «صنع في الصين 2025»، فإن أمريكا لا تزال مصممة على الحفاظ على مكانة شركاتها والدفاع عن الموقع الريادي لها؛ لذا فإن الخطة الأمريكية التي بلغت 170 مليار دولار لأغراض البحث والتطوير، هدفت إلى تشجيع الشركات الأمريكية والإنتاج المحلي، حيث سيتم استثمار 52 مليار دولار لحض الشركات على إنتاج أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، وتطوير البحث والتنمية في هذا المجال، فضلاً عن تخصيص 1.5 مليار دولار لتطوير شبكة الجيل الخامس.

وكان رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بوب مينينديز، صريحاً بما فيه الكفاية عندما قال: «إن الحاجة إلى التفوق على الصين في المنافسة وإعادة ضبط استراتيجيتنا الدبلوماسية، هي واحدة من أكبر تحديات السياسة الخارجية في عصرنا». وبالتزامن أصدر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أمراً توجيهياً إلى العاملين في «البنتاجون» يطلب فيه منهم تكثيف تركيزهم على الصين باعتبارها أكبر منافسي الولايات المتحدة الاستراتيجيين.

الصين رفضت مبالغة واشنطن في ما تسميه «التهديد الصيني»، ورأت أن الخطة الاستثمارية الأمريكية تكشف عن «جنون العظمة» لدى الولايات المتحدة. 

ويبدو أن الإجراءات الأمريكية الصينية المتبادلة، تكشف عن أيام قادمة ستكون مشحونة بمزيد من التصعيد والتوترات، ولا يبدو أن لدى أي طرف نية للتنازل وخفض الجناح، ما يضع العالم على شفا حفرة حرب باردة قد تتطور إلى ساخنة، ما لم تتدخل الأطراف الكبرى لكبح جماح الطرفين، اللذين يطمحان لتسيّد العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"