من المواضيع التي أخذت مساحة واسعة من الجدل والحوار بين علماء التربية وعلم النفس، موضوع المرحلة العمرية المناسبة للبدء في تعليم الأطفال القراءة والكتابة. وأقول جدلاً؛ لأن النظريات والآراء في هذا الموضوع متواصلة ومستمرة منذ عقود من الزمن وحتى يومنا، وهناك مدارس متنوعة ومتعددة، البعض منها يرى أن أفضل مرحلة للتعليم النظامي للأطفال تبدأ مع أول خطوة لهذا الطفل خارج المنزل، وأنصارها يشيرون إلى مرحلة الروضة تحديداً، هناك توجه يفرق بين مرحلة التعليم ما قبل الابتدائي، وما بعدها، حيث يعتبر التعليم الابتدائي هو الأساس والانطلاق، وما قبله يعتبر ترفيهاً وتعويداً للطفل على جو المؤسسة التعليمية.
البعض الآخر يذهبون لأعمق من هذا، عندما يعتبرون أن التعليم الحقيقي للطفل يبدأ بعد السنة الثالثة خلال الدراسة الابتدائية، أي من السنة الدراسية الرابعة، بل هناك فريق يرى أن عملية تعليم الطفل تبدأ منذ ولادته. وهكذا تتنوع الآراء، وتجد أنه وفق هذا التنوع هناك تباين، مجتمعات ودول ترى أن التبكير بتعليم الأطفال مهمّ وهدف حيوي، بينما تجد مجتمعاً آخر يفضل التريث وتأجيله لسنوات يكون فيها الطفل أكبر سناً، وتبعاً لهذا يمنع البعض من الأطفال من الذهاب للمدرسة عندما يكون في مرحلة عمرية أقل مما تم تنظيمه، حيث يتم التشدد في تطبيق تلك الآراء، وهذا بديهي لأن الهدف حماية الطفل وتقديم أفضل السبل التي تدفعه نحو الحياة بصحة نفسية وجسدية وسلامة وأيضاً بثقة.
لنترك هذا جانباً، ونركز على كل أمّ وأب، ودورهما في مثل هذه الجدلية، واعتقد أن الدور لا يخرج عن السعي لاكتشاف قدرات ومواهب طفلهما ومنذ وقت مبكر، ثم العمل على تعزيزها، فإن كان طفلك مميزاً ولديه قدرات ومستعداً للتعلم، فلا تحبطه ولا تسوّف أو تمنعه، بل قم بتغذيته بالمعارف والعلوم التي تتناسب مع عمره. إن كانت عملية التعليم تتم في مؤسسة تعليمية أو في المنزل، فالمهم هو أن يبدأ الطفل بالتعلم وفق إمكانياته وقدراته الذهنية، وبما يتناسب مع العمر والنفسية والقدرات.
تعليم الطفل قد يبدأ بعدة طرق وتوجهات، ليس في مجال القراءة والكتابة وحسب، بل هناك الكثير من المبادئ والقيم والتعاملات التي من المهم أن يتعلمها ويفهمها الطفل مبكراً، وهذا التعليم قد يكون من خلال الملاحظة والاكتشاف، وأعتبر أن موضوع القراءة والكتابة سيكون من ضمن سياق فضول وشغف هذا الطفل، المهم هو إثراء وإشباع هذا الفضول.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com
