بلال آخر الرعاة

00:40 صباحا
قراءة دقيقتين

تنطوي الحياة على رحيل إثر رحيل؛ فإما رحيل في مضارب الحياة إلى مختلف بلدان العالم، وإما رحيل من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة التي تنتظر جموع البشر من كل حدبٍ وصوب، ومن كل مكان في كل زمان.
هكذا هي سُنّة الله في خلقه؛ رحيل إثر رحيل، ولكل رحيل حكايته التي تنطوي على ذكريات وعلى حِكَم وعبر واعتبارات دنيوية؛ ففي يوم الثلاثاء الماضي 8 يونيو الجاري، ارتحل عن الحياة الوالد سالم علي دهمش الطنيجي «رحمه الله»، وفي اليوم التالي مباشرة، ارتحل رفيق دربه الوالد بلال سعيد وليد الشحي «رحمه الله»، آخر رعاة «الرمس» ممن مارسوا مهنة رعي الأغنام.
على ضوء هذا الرحيل للوالد الراعي بلال بن سعيد وليد الشحي «رحمه الله»، أستحضر شيئاً مما جاء في الحوار المطوّل الذي أجريته معه قبل عشرين عاماً بالكمال والتمام ونشر آنذاك في عدد شهر يونيو من سنة 2001 في مجلة بلدية رأس الخيمة، بعنوان (قال الراعي يا سادة يا كرام): (ذات يوم، جاء إليّ صديقي وزميلي المرحوم راشد بن صالح عقيدة «غفر الله له»، وطلب مني مساعدته في رعي الأغنام التي لا يستطيع بمفرده قيادتها، إذ تبلغ حوالي 300 رأس من الأغنام، حيث امتدت رحلتنا في الرعي ما يقرب من 45 سنة بحلوها ومرها وبما يرضي الله سبحانه وتعالى).
 وينهي الراعي حديثه طاوياً آخر صفحة من صفحات مهنة الأنبياء «الرعي» بقوله: (الحمد لله؛ خلال مشوارنا لم نتعرض لأي مشاكل، ولا «شوّة» - أي واحدة من الماشية – ضاعت، ولم نفقد ثقة السكّان بنا حتى نهاية الرحلة التي توقف قطارها في مستشفى «الحديبة»، حيث قضى صديقي وزميل حرفتي الراحل راشد بن صالح عقيدة «رحمه الله» آخر أيام عمره في المستشفى متأثراً بمرضه «السرطان» الذي داهمه وانقض عليه وأودى بحياته، فمات «رحمه الله» مخلفاً وراءه زميلاً لم يستطع إكمال المسيرة بمفرده لجسامة المهمة ولعدم توفقه في الحصول على زميل جديد يسد الثغرة التي خلّفها «راشد عقيدة» أول راعٍ للأغنام في «الرمس» و«ضاية»، كما ترك وراءه حصيلة آخر أسبوع لم يتم تسلمها من أصحاب الماشية، لتبقى في ذمتهم حتى يوم الحساب).
تلك هي حكاية من حكايات الراعي الأمين بلال بن سعيد بن وليد الشحي؛ الذي غادرنا وهو في عز شباب قلبه العامر بمحبته للناس من كل أجيال وعوائل «الرمس».

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أديب وكاتب وإعلامي إماراتي، مهتم بالنقد الأدبي. يحمل درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، من جامعة بيروت العربية. وهو عضو في اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات، وعضو في مسرح رأس الخيمة الوطني. له عدة إصدارات في الشعر والقصة والمقال والدراسات وأدب التراجم

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"