الاعتذار.. تكتيك أم استراتيجية؟

00:39 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

بعيداً عن واقع الشعب اللبناني وسلسلة أزماته المتفاقمة، يبرع السياسيون في قيادة البلاد من فشل إلى فشل، دون أن يرف لهم جفن، ودون أي اعتبار لمعاناة اللبنانيين، مهما بلغت درحة خطورتها، بينما حالة اليأس تفتح المجال أمام خيارات أخرى، كالاعتذار أو البحث عن إدارة دولية للأزمة ومنع الانهيار، فهل تعبر هذه المصطلحات عن حالة تكتيكية أم استراتيجية حقيقية بالنسبة لأصحابها؟.

 من الواضح أن السياسيين اللبنانيين الذين يتمترسون في مواقعهم، باتوا قادرين على مواصلة السجالات والمواقف الكلامية عديمة المعنى والفائدة، إلى ما لا نهاية، وهو ما ولّد حالة من اليأس لدى الجميع، سياسيين أو غير سياسيبن، لكن السؤال: هل ما يتردد عن اعتذار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري هو مناورة تكتيكية لدفع ما يسمي فريق العهد (رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل) إلى تقديم التنازلات في ملف تشكيل الحكومة، أم أنه خيار استراتيجي بعد استنفاد كل فرص التوافق، مع معرفة الجميع بخطورة التداعيات الناجمة عنه، وترك البلاد تغرق في فوضى وانهيار حقيقي يصعب الخروج منه، وبالتالي يعبد الطريق أمام المطالبين بإدارة دولية للأزمة، كتعبير هو الأبلغ عن قصور الطبقة السياسية برمتها وعجزها عن إدارة البلاد.

 ربما يحمل تلويح الحريري بالاعتذار المضمونين معاً، التكتيك والاستراتيجية في آن، وفي الحالتين فإنه يستهدف فرض المزيد من الضغوط، سواء على فريق العهد أو الطبقة السياسية برمتها. صحيح أن الحريري لا يزال يصطدم برفض تقديم التنازلات من جانب فريق العهد، لكن مجرد وضع هذا الخيار على الطاولة، حرك المياه الراكدة، ودفع القوى السياسية إلى البحث عن مخرج جدي، وهو هنا يتمثل في مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري باعتبارها مكملة للمبادرة الفرنسية وليست بديلا عنها، والتي يقول بري عنها إنها تحظى بتوافق إقليمي ودولي. وبالتالي فإن تلويح الحريري بالاعتذار أو تراجعه عنه أصبح مرتبطاً بمبادرة بري، خصوصاً بعدما حظي بتغطية المرجعيات الدينية وضمن طائفياً عدم ترشح أي بديل للمنصب، وهنا يمكن أن تتحول الاستراتيجية إلى تكتيك أو العكس. ولعل التعبير الأوضح في هذا الصدد جاء على لسان بري، الذي اعتبر أنه لا يوجد بديل في الوقت الراهن سوى الذهاب إلى الفوضى الشاملة وإغراق البلاد أكثر فأكثر في مستنقع الانهيار.

 البعض يتصور أن اشتداد الأزمة والخوف من دخول البلاد في نفق مظلم طويل، قد يدفع إلى فتح النوافذ المغلقة وكسر المحظورات ويؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة بأسرع مما يتوقعه أكثر المتفائلين، خصوصاً وأن الأوضاع لم تعد تحتمل التأجيل أو المزيد من السجالات والمزايدات، في ظل التوقعات بأن يصل سعر الدولار إلى 20 ألف ليرة حتى نهاية الشهر الحالي، وأن رفع الدعم بات أمراً محسوماً، ورفعه سيكون كلياً عن بعض أصناف الدواء، وعن جميع المحروقات، وهي كلها أمور تمهد فعلياً للفوضى الشاملة، وانفجار اجتماعي قد يقلب المعطيات رأساً على عقب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"