عادي

«درع طروادة».. حرب على العصابات

23:02 مساء
قراءة 4 دقائق
1

إعداد: بنيمين زرزور

لا تطفو أخبار العصابات الإجرامية المنظمة على السطح إلا عندما تنفذ عمليات استثنائية من حيث حجمها وعدد ضحاياها الذين هم في الغالب من المدنيين أو ممتلكاتهم، لكن الواقعة الأخيرة شهدت حدثاً استثنائياً من حيث عدد أفراد العصابات وزعاماتها الذين سقطوا في فخ هو الأول من نوعه على مستوى العالم.

تناقلت وسائل الإعلام العالمية الأسبوع الماضي، خبراً يفيد بتعرض عناصر وقيادات في شبكات الجريمة المنظمة لضربة قاصمة هي الأكبر في تاريخ مكافحة الجريمة. وقال مسؤولون من مكتب التحقيقات الفيدرالي وجهاز الشرطة الأوروبية (يوروبول)، ومسؤولون من أستراليا، إن عصابات الجريمة المنظمة تعرضت لضربة عالمية، حيث اشترى أفرادها هواتف مشفرة يمكن لمسؤولي إنفاذ القانون مراقبتها؛ الأمر الذي أدى إلى القبض على أكثر من 800 عنصر ومصادرة أطنان من المخدرات وأنواع مختلفة من الأسلحة وملايين الدولارات.

وأضاف المسؤولون أن العملية التي نفذتها الشرطة الأسترالية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، والشرطة الأوروبية، أوقعت عناصر خطرة في آسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط وأستراليا، متهمين بأنشطة إجرامية مختلفة تشمل تجارة المخدرات والقتل والفساد.

الفخ.. تطبيق «إينوم»

ومما ساعد على دقة تنفيذ العملية، استخدام أفراد العصابات تطبيقاً واحداً يعرف باسم «إينوم» المشفر في جميع أنحاء العالم للتواصل في ما بينهم. وقد تمكنت عناصر الشرطة والمخابرات من قراءة رسائل زعماء المنظمات الإجرامية العالمية في نحو 100 دولة، أثناء تخطيطهم لصفقات مخدرات ونقل أسلحة وعمليات اغتيال. وقال مسؤولون إن الأدلة التي جمعتها أجهزة الشرطة والأمن في إطار العملية التي أطلق عليها اسم «درع طروادة»، حالت دون وقوع أكثر من 100 جريمة قتل، فضلاً عن إحباط عمليات لشحن المخدرات عبر الحدود.

وقال رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، إن العملية وجهت «ضربة قاصمة للجريمة المنظمة، ليس في هذا البلد فحسب، وإنما سيتردد صداها في أنحاء العالم».

وبدأت العملية بعد أن تمكنت الشرطة العالمية في العامين الماضيين من تعطيل منصتين رئيسيتين للهواتف المشفرة يستخدمهما المجرمون، الأولى تعرف باسم «إنكروتشات» والثانية باسم «سكاي جلوبال». وبعد تعطيل المنصتين المذكورتين عمد مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي إلى نشر منصة مشفرة بديلة أمكن من خلالها الإيقاع بكثير من أفراد العصابات الذين كانوا يتواصلون من خلال المنصتين السابقتين.

تعاون دولي

وتجدر الإشارة، إلى أنها المرة الأولى التي يُسفر فيها التعاون الدولي والتنسيق بين أجهزة الأمن في عدد من الدول، عن تحقيق نتائج بهذا الحجم.

وكشفت وثيقة قضائية الدور الذي لعبه فني البرمجيات المتخصص في برمجيات الهواتف الذكية، مع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي منذ عام 2018 في عملية «درع طروادة»، حيث بلغت تكاليف التطبيق البديل الذي استخدم في المصيدة حوالي 120 ألف دولار.

وأفاد بيان أصدرته شرطة الاتحاد الأوروبي (يوروبول)، بأنه خلال الخطة التي نفذت على مدى ثلاث سنوات، شارك في التحقيقات تسعة آلاف ضابط في 17 دولة، وتمت مراقبة وقراءة ما يقرب من 27 مليون رسالة نصية على 12 ألف جهاز هاتف محمول في 100 دولة. وقد أمكن رصد تحركات أكثر من 300 عصابة على مستوى العالم.

كما أسفرت العملية عن ضبط واعتقال 800 عنصر وأكثر من ثمانية أطنان من الكوكايين، و22 طناً من القنب، وطنين من المخدرات التركيبية، و250 قطعة سلاح، و55 مركبة فاخرة، وأكثر من 48 مليون دولار بعضها نقداً وبعضها عملات رقمية. وتوقعت مصادر الشرطة أن تتم مصادرة وضبط مزيد خلال الأسابيع المقبلة.

وذكرت وثيقة تم الاطلاع عليها في واحدة من المحاكم الأمريكية، وهي عبارة عن إفادة خطية لضابط في مكتب التحقيقات الفيدرالي نشرت لأول مرة، أن «المخبر السري» هو تاجر مخدرات سابق كان يعمل على ابتكار هاتف يصعب فك تشفيره بتطبيق خاص يحمل نفس الاسم الذي أطلقته أجهزة الأمن الأمريكية على تطبيقها «المصيدة»؛ أي «إينوم».

وقد بدأ المخبر السري في التعاون مع الشرطة بعد أن تمكنت السلطات من فك شفرة شبكة الهواتف المحمولة التابعة لشركة «فانتوم سكيور» التي كان يعمل لديها، واعتقلت رئيس الشركة في 2018.

وتقول الشرطة إنه على مدى نحو عشر سنوات كانت عصابات الجريمة المنظمة تستخدم هواتف مثل «فانتوم سكيور» في ترتيب صفقات تهريب المخدرات، وفي توجيه ضربات لمنافسيها، وفي غسل الأموال، ومن بين الخصائص العديدة لهذه الهواتف سهولة إزالة المحتوى عن بعد، في حالة مصادرتها.

وتواجه حكومات الدول منفردة، صعوبات ومخاطر جمة في ملاحقة وتصيد قيادات وعناصر الجريمة المنظمة؛ لأن بعض تلك المنظمات تفوق قدراتها التمويلية والتقنية قدرات حكومات الدول التي تنشط فيها، كما أنها تستقطب بما تمتلكه من مال وسطوة، كفاءات عالية في مجال التقنية والتسليح وتنفيذ العمليات الحرجة.

وتنشط العصابات المنظمة في مجالات متعددة تهدد ليس فقط أمن البلد الذي تنشط فيه؛ بل تتسبب في تأزيم العلاقات بين دول الجوار أحياناً، وقد تصل سطوتها إلى حد تعطيل عجلة الاقتصاد وإرباك برامج الحكومة السياسية وغير السياسية.

وقد اشتهرت عصابات المافيا على مستوى العالم وإن كانت ليست وحدها في الميدان؛ بل هناك آلاف العصابات المنظمة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تتكون عصابة «مونجيكي» من 100 ألف عنصر منتشرين في كينيا، وقد طورت مؤخراً قوة سياسية واقتصادية كبيرة من خلال التجنيد واسع النطاق. 

أما عصابة «بريميرو كوماندو دا كابيتال» البرازيلية، فتسيطر على أنظمة السجون المحلية، حيث تضم بين صفوفها 140 ألف سجين. ولعبت عصابة «بتشو يان بانج»، وهي عصابة ذات أصول صينية، ولها أنشطة مثل الاتجار بالبشر والابتزاز والدعارة وتهريب المخدرات، ولديها نفوذ في جميع الدول المطلة على المحيط الهادئ.

وهذه مجرد نماذج فقط لعصابات عاثت في العالم فساداً ولا تزال، وهي في حالة مواجهة دائمة مع حكوماته. وستبقى الحرب سجالاً بينها وبين سلطات إنفاذ القانون، وتستخدم فيها كل صنوف الأسلحة التي غلب عليها اليوم العامل التقني، الذي يحكم سرية المعلومة التي هي مفتاح النجاح في المواجهة حاضراً ومستقبلاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"