خمسة قرون في القمة

00:31 صباحا
قراءة دقيقتين

السؤال أليم: كيف استطاعت أوروبا الحفاظ على تدفق إبداع الموسيقى السيمفونية طوال خمسة قرون، منذ عصر النهضة؟ في خمسمئة عام ظهر خمسة وعشرون ألف مؤلف موسيقيّ، من بينهم 2500 مؤلف أوبرا. الروعة هي أن باخ، موتزارت، بيتهوفن... لم يفكروا يوماً في أسلحة الدمار الموسيقي الشامل الذي «يكسّر الدنيا». موتزارت لم يخطر بباله أن أعماله الموسيقية ستدرّ بها الأبقار مزيداً من الحليب، وسيغدو صوف الأغنام بها أغزر.
أولئك الأساطين دخلوا الميادين من أبواب الفلسفة، الرياضيات، الفيزياء، وفي العقود الأخيرة، المعلوماتية، الذكاء الاصطناعي والعلوم العصبيّة.
 إشكالات الموسيقى العربية تحتاج إلى دراسات تحليلية علمية، لكي تشخص الأدواء ويوصف العلاج. لا عاقل يتهم الوسط الموسيقي العربي بكامله بأنه غافل عن العلل.
«تسونامي» الهبوط أضاع توازن القيم الفنيّة. رواج عبارات مثل «تكسير الدنيا» توصيفه عند السيّاب: «همُ التتار أقبلوا.. ففي المدى رعافْ». 
خمسة قرون أوروبية من إبداع الموسيقى الجادّة، مقابل خمسة عقود، من 1920 إلى 1970، لم نعرف فيها غير الأغنية شكلاً موسيقياً، لم نذق طعم الموسيقى المستقلة عن الكلمة، لم يفكر موسيقي في أعمال للآلات، لم يؤلف أحد أعمالاً أوبرالية. حتى الشعر، لم يعد للأغاني شعراء مبدعون. عصر الأبواب المغلقة: الاجتهاد مغلق، الإبداع مغلق، حتى الفيروس فرض الإغلاق، وربك الرزّاق.
أليس غريباً أن الحضارة الإسلامية هي التي نقلت إلى أوروبا الفلسفة اليونانية؟ إذاً، اللغة العربية هي التي كانت الجسر الذي مرّت عليه مقولة فيثاغورس: «الموسيقى علم رياضي تماماً مثل الحساب، الفلك والهندسة». على ذلك بنت أوروبا. باخ سحره التناظر والتماثل والتناسب في الرياضيات، فطبّقه بصور شتى في أعماله الموسيقية. أجرى تجارب تطابق «شريط موبيوس» (انظر «جوجل»)، أي أن تعود الجملة الموسيقية من حيث أتت وكأنها انعكاس مرايا. الفيلسوف عالم الرياضيات «لايبنيتز» (القرن 17) يقول: «إن الموسيقى تمرين رياضيات خفيّ، لا يعي فيه الذهن أنه يجري عمليات حسابية». 
المؤلم أكثر، هو أن الموسيقى العربية سائرة نحو مصير مجهول لكن مآسيه معلومة. في الغرب علماء الرياضيات والفيزياء الذين هم منهم علماء موسيقى أيضاً، يحمون حمى الموسيقى الجادة العارفة. أمّا الصين فلها يأجوج ومأجوج فن: خمسون مليون طفل يدرسون آلة البيانو.
لزوم ما يلزم: النتيجة التصحيحيّة: تطوير الموسيقى والارتقاء بالذوق العام، أمرهما محسوم، فإمّا أسس أكاديمية علميّة قائمة على فكر وعلوم ومعارف، وإمّا النطيحة والمتردّية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"