عادي
عاد إلى النشر بعد 46 عاماً من الغياب

عبدالله صقر يدجّن الليل

00:10 صباحا
قراءة 4 دقائق

الشارقة: يوسف أبولوز
عاد القاص والشاعر الإماراتي عبدالله صقر إلى النشر بعد 46 عاماً من الغياب عن الساحة الثقافية، وتخلّل هذه السنوات احترافه للعمل الرياضي منذ عام 1984، وتولّى تدريب المنتخب الوطني لكرة القدم في الإمارات في عام 2000 ولكن لفترة بسيطة.

عاد عبدالله صقر إلى الساحة الثقافية بصدور مجموعة شعرية له بعنوان: «قطع مظلمة من الليل» عن دار العنوان للنشر والتوزيع (دبي)، لكنه يقول إنه خلال هذه العقود الأربعة من الزمن لم يتوقف عن الكتابة، وإن كان ثمة من توقُّف فهو عن النشر.

1

في نوفمبر/ تشرين الثاني 1975 أصدر عبدالله صقر مجموعته القصصية «الخشبة»، وفي فبراير/ شباط من العام نفسه 1975 صدر له ديوان شعر «قصائد نثر» بعنوان: «اغتراب في زمن مسلوب»، والكتابان صدرا في ذلك العام عن مطبعة «بن دسمال» في دبي، وكانت آنذاك تقع بالقرب من جسر آل مكتوم في دبي.

مجموعة «الخشبة» أعاد اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات نشرها في طبعة ثانية في عام 1999، أما مجموعة «اغتراب في زمن مسلوب» فيقول عبدالله صقر إنها محدودة التوزيع، ولم يطبع منها طبعة ثانية، وسألته: في ما إذا كان يفكر في طبعة هذه المجموعة النادرة الصادرة قبل 46 عاماً، وهي بذلك تسجّل ريادة شعرية في قصيدة النثر لعبدالله صقر، فقال إن ذلك يحتاج إلى إجراء تعديلات نصّية وكتابية جديدة على المجموعة لكي تصلح لزمنها الحالي، فيما لو أعيد نشرها من جديد في طبعة ثانية.

الآن، لدى عبدالله صقر كتاب جاهز للنشر بعنوان «ابن حكايتك»، وفيه تتقاطع السيرة الذاتية لأخيه مع سيرة عبدالله الذاتية، أو أن السيرتين سيرة واحدة، أو شبه سيرة ذاتية واحدة، كما يقول.

نصوص

في هذا الكتاب الجديد «قطع مظلمة من الليل» يكتب عبدالله صقر 200 نص موزّعة على 285 صفحة من القطع المتوسط، وأعطى هذه المجموعة عنواناً ذا دلالة، فهي «نصوص» كما جاء على الغلاف ولم يجنّسها في مجموعة شعرية مثلاً، وبصرف النظر عن أي تجنيس أدبي هي شعر متفلّت من قوانين التفعيلة، وإذا أردنا اعتبارها نصوصاً فهي في كل الأحوال امتداد أدبي وكتابي لعبدالله صقر الذي عرف قصيدة النثر بشكلها المبسّط الأولى في منتصف سبعينات القرن العشرين، وهو أيضاً آنذاك في العشرين من عمره، يكتب القصة والشعر.

ومن مداخل «قطع مظلمة من الليل» تظهر ثيمة الحب أو فكرة الحب، وقد سألت عبدالله صقر عن هذه الفكرة الإنسانية، الشعرية، الغنائية، الوجودية، فقال بكل بساطته وعمقه أيضاً: «الحب نجمة تتجوّل في الأفق، نحن نحاول النظر إلى هذه النجمة، ولن نستطيع أن ننالها إلاّ بالحلم. أو بالكتابة. الكتابة في ذاتها هي الحب..».

يقول: «كان قلبك الطريّ

ينتفض كعصفور يزرو عن جسمه الصغير

بلل الريش،

أهذا هو تداخل الحب؟

فبين قلبك والماء دم انتفاضة

تَبّاً لمن غَدَرَ بالحب..».

إلى أن يقول.. «لك السلام أيها الحب» «لك كل الحب أيها السلام».

كتب عبدالله صقر هذه النصوص الموجزة، الملمومة، المكثّفة من 2015 وحتى 2020، ويكتب عن الغياب أيضاً. عن الجمال. عن الوقت. عن السؤال. عن الطريق. عن الزمن. عن الضوء. عن الصباح. يكتب بهدوء ونعومة واسترخاء. كتابة مفتوحة على التأمّل، والإصغاء، والرقة، والصداقة. بكل شعرية ممكنة مستعارة من الكلمات وروح اللغة:

«ذات نهار

تعدينني فأشتاق

وأحمل كواكب حلمي في الخفاء

ها أنا أقتبس معك ألف نهار.. وأمشي».

الحنين إلى الصبا أيضاً له مكان في هذه النصوص التي تسعى إلى الخفّة، والذكرى، وطفولة الإنسان ومكانه الأول..

«في الصبا

كانت الساحة ملاذ لعب وصفاء

تجمعنا معك أحلامنا.. لا نتعب

لا نستريح من صبانا، ولا نتعب

ولا منّا عن الآخر يهرب

كنت وردة يومك

كل ليلة تضيء حلمي

لكن الصبا ذهب وتجاهلنا معاً..».

قلب

يُقرأ هذا الكتاب المفاجئ لعبدالله صقر بعد كل هذه السنوات من العزلة بعيداً عن النشر. لكن ليس بعيداً عن الحياة. إنه في قلب قصيدته وفي قلب نصّه. يقرأ ببساطة وتمهّل. إنها قطع مظلمة من الليل. قل إنه ليل في ليل. والشاعر هنا كما لو أنه يدجّن الليل في هذه النصوص النقية. الفطرية.

في الكتابة الاحتفائية عن عبدالله صقر في مناسبة هذا الكتاب، وفي مناسبة حضوره مجدداً في الساحة الثقافية الإماراتية بعد سنوات طويلة في هامش الصمت، تحضر في البال أسماء أخرى يأمل المتابع الثقافي عودتها إلى النشر إذا كانت تكتب ولا تنشر، أو إذا كانت لا تكتب ولا تنشر. وفي كل الأحوال هذه عودة جميلة تفاؤلية إلى الشعر، أو إلى القصة، أو السرد، أو النثر، حيث تنتصر الكتابة على العزلة أياً كانت ظروف هذه العزلة.

عبدالله صقر صاحب أوّل مجموعة قصصية تصدر في الإمارات قبل 46 عاماً منذ أواسط سبعينات القرن العشرين. وهو صاحب أوّل مجموعة قصائد أو نصوص نثر شعرية متحرّرة من الوزن والقافية والبحر. يعود بنصوص مولودة تماماً من ذاكرته ومن لياقته الشعرية التي لم تذبل أو تتراجع بحكم أربعة عقود كانت كفيلة بأن تعيده إلى الكتابة والنشر والحضور معاً، على الرغم من الزمن الوبائي الكوروني الذي من المؤكد أننا ننتصر عليه بالفن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"