عادي
قراءات

«القارئ الأخير».. سلطة الكاتب وداعاً

22:57 مساء
قراءة 3 دقائق
Imaginative-900x494
1701

الشارقة: علاء الدين محمود
مكانة القارئ والمتلقي ظلت في موضع اشتغال واهتمام بالنسبة للكثير من المفكرين والكتاب والنقاد، ومن أهم الذين تحدثوا عن ذلك الأمر نجد الناقد الفرنسي موريس بلانشو، الذي أطلق مقولة مهمة أثارت جدلاً كبيراً، وتأثر بها الكثيرون، وهي «كل قراءة هي نوع من الخصام الذي يقضي على المؤلف»؛ أي أن دور المؤلف ينتهي عندما تأتي لحظة القارئ بتأويلاته وتفسيراته، فالكاتب ليس صاحب سلطة نهائية على النص.

من المؤلفات التي تنحاز للقارئ وتبرز مكانته الحديثة، كتاب «القارئ الأخير» للناقد والرِّوائي والقاصّ الأرجنتيني ريكاردو بيجليا، وتبرز أهمية موقف بيجليا في الكتاب من كونه أشهر من اشتغل في مجال النقد الثقافي والإبداعي وعلاقة الأدب ب«التلقي»، أي أنه صاحب موقف مباشر في انحيازه للقارئ.

يناقش الكتاب بصورة متعمقة موضوع «المتلقي»، ويرتقي به إلى مستوى القضية المهمة، ويطرح عدداً من الأسئلة والمواضيع المتعلقة بالقارئ بطريقة فلسفية، من شاكلة «ما هو القارئ؟»، ثم «من هو القارئ؟»، و«ماذا يحدث عندما يقرأ القارئ؟»، فالأدب بالنسبة لبيجليا يمنح المتلقي اسماً وحكاية، فهو قصّة مؤرّقة، فمن «دون كيشوت»، إلى «هاملت»، ومن «إيما بوفاري»، إلى «فيليب مارلو»، تلك كلها بالنسبة لبيجليا تنويعة لا نهائية من القراء فيهم المجنون والموسوس، والسوداوي، والمترجم، والناقد، وكلهم أيضاً قراء مختلفون في اتجاهاتهم ومنابعهم ومجالاتهم وتكوينهم النفسي والمعرفي، بل وفيهم كذلك الكاتب نفسه، فهو بالنسبة لبيجليا قارئ في المحصلة النهائية، دخل إلى مجال التأليف من باب الاطلاع، وكتاباته ومواقفه هي عبارة عن قراءات سابقة، وتجارب مختلفة مع المؤلفات، وبصورة أساسية يقسم الكتاب القراء إلى نوعين وهما: القارئ المدمن، والذي لا يتوقف عن الاطلاع، وهنالك القارئ الأرق، وهو المتيقظ والمتحفز دائماً.

القارئ بحسب بيجليا هو شخص يقوم بفعل التفسير والتأويل، هو كمن يقوم بفك شفرة، وصورة من يقرأ تمثل جزءاً من بنية المثقف بالمعنى الحديث، فهو شخص يواجه العالم من خلال علاقته بالقراءة، وتردد المثقف يعبر عن عدم اليقين في التأويل في القراءات الكثيرة الممكنة للنص، والكتاب يناقش بصورة مستفيضة القراءة الخلّاقة للمتلقي في مجال الأدب والكتابة الإبداعية والسرد بصورة خاصة، ويشير إلى أن القراءة غيّرت مصائر الأبطال في الأعمال السردية، ربما بغير ما يشتهي المؤلف أو يقصد، ويلفت إلى أن القارئ يتوصل إلى اكتشاف الأسرار في حياة الأدباء، من خلال فعل التفسير المبدع للنصوص، فالقراءة هي التأويل وهي فعل الاكتشاف، ويتناول الكتاب كذلك قضية القراءة باعتبارها مسألة حياة أو موت، وباعتبارها كذلك ثورةً وتمرداً ووعياً فردياً وجماعياً وموقفاً من الحياة والوجود والأشياء من حولنا.

يشير بيجليا إلى أن فعل القراءة يدخل في كل شيء في الحياة، ويترك أثره الكبير بصورة واضحة أو غامضة، ويقول: «ثمّة توتّر بين فعل القراءة وفعل السياسة، وثمّة تعارض ضمني بين القراءة والقرار، بين القراءة والحياة العملية»، ويوضح أن الكثير من الكتب التي قرأناها هي بمثابة «الفلتر»؛ أي جهاز التصفية الذي يسمح بمنح معنى للتجربة، فكل ما يفعله المرء في الحياة هو نتاج قراءاته المختلفة والمتباينة في مواضيعها ومنابعها وحكاياتها.

ويتناول بيجليا القارئ المهووس بالكتب والمؤلفات والمعرفة، ذلك الذي لا يفارق الكتاب يده، ويستلهم المؤلف صورة بورخيس ذلك الأديب المحب للقراءة، والذي فقد بصره في سبيل ذلك الحب، ولكنه ظل يصر على أن يقرأ، فذلك ما تفعله القراءة في البشر، وذلك ما يجب أن يكون عليه القارئ العاشق للكتب.

ويطوف الكتاب في عوالم القراءة وأسرارها وأثرها المنظور والخفي، والقراء وأشكالهم وأنواعهم، فهو عبارة عن كتابة نقدية وبحثية من منظور إبداعي في ماهية القراءة وأثرها، فقد قصد بيجليا، أن يشيد حكاية عن القارئ بصورة أساسية، وعن فعل القراءة، وفي هذه الحكاية لم يتخلَّ عن أدواته السردية، وسعى إلى أن تأتي كتابته على نسق يبتعد عن النزعة الأكاديمية، فهو يستثقل ذلك النوع من الكتابات، ويريد أن يعرض للمتلقي قضية القراءة من خلال الأدب وأساليبه وتقنياته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"