طوقان تكاتب العُريّض

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

«من شاعرة إلى شاعر»، هكذا عنونت مجلة «صوت البحرين» التي صدرت في البحرين أوائل خمسينات القرن الماضي، رسالة بعثتها الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان إلى الشاعر والأديب البحريني المعروف إبراهيم العُريّض. ولا نعلم ما إذا كان العنوان من وضع المجلة، أم أن طوقان هي من اختارته لرسالتها؛ كونها بعثتها للمجلة كي تنشرها على صفحاتها، حتى إنها في خاتمة الرسالة أثنت على تلك المجلة بالقول: «لا يفوتني أن أسجل هنا إعجابي العميق بمجلة «صوت البحرين» لما تمتاز به من حيوية وخصب».
لهذه الرسالة التي بعثتها فدوى طوقان من مدينتها، نابلس، في فلسطين إلى العريض في البحرين مناسبة، هي أن العريض كتب في عدد سابق من المجلة مقالة يتناول فيها مقطعاً من قصيدة لطوقان عنوانها «أهل الحمى» نشر أبياته كملحق مع مقاله، وكان العريض أحد كتّاب المجلة الثابتين، فلم يخل عدد من أعدادها طوال سنوات صدورها من مقالة أدبية له، في زاوية أسماها «نفح الطيب».
كانت قد مرّت سنوات قليلة على النكبة الفلسطينية، والقصيدة موضوع الحديث تدور حول معاناة الفلسطينيين القاسية بعدها، خاصة أولئك الذين شردوا منهم عن أراضيهم، ورأى فيها العريّض قرباً من المعاناة الإنسانية، بعيداً عن اجترار أشعار البطولات، كما لو «أن خالد بن الوليد قد عاد بفتوحاته، أو أن صلاح الدين واقف للبغاة بالمرصاد كموقفه من الصليبين، أمس»، كما قال العريض في مقالته.
العلّة، برأي العريض، هي أن بعض الشعراء منغمرون في التقليد فهم «يأبون إلا أن يعيشوا في أسفل السفح من ظل الهرم الذي يتطلعون إلى قمته من بعيد، فأنّى لهم أن يروا هذه الآفاق الواسعة التي تحيط بالهرم، والتي لن يستطيعوا استجلاءها على حقيقتها مشاهدة وعياناً إلا من القمة نفسها».
في قصيدة فدوى طوقان وجد العريّض شيئاً مختلفاً، والمقطع الذي اختاره، على صغره: «كان إحساساً ملتهباً، جارفاً بالنكبة لعلك تعجز عن أن تجد له نظيراً في آثار الكثير من الشعراء الآخرين».
تركت مقالة العريّض أعمق الأثر في نفس طوقان حين وقعت عينها عليها، فكتبت له رسالتها لا لتشكره فقط، معبرة عن فرحتها الكبرى بإعجابه بالقصيدة، وبأن «يتجاوب شاعر مثله مع شعرها، ويتحسسه كلمة كلمة ونغمة نغمة»، وإنما أيضاً لتشكو له من حملات وصفتها بغير المباشرة، ضد اتجاهها الشعري؛ لأن الكثير من الشعراء والكتّاب  كما تقول  يعتبرونها شاعرة أحلام وعواطف ذاتية بعيدة عن الواقع، وهي التي ترى أن قليل الشعر خير من كثيرهم؛ لأنه أصدق شعوراً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"