عادي

الشخصية الوسواسية تسبب نفور الناس

22:05 مساء
قراءة 5 دقائق

يبحث أغلب الناس عن الدقة في أداء أعمالهم، والانضباط في مختلف مناحي حياتهم، ويختلفون في هذا الأمر بحسب عوامل التنشئة وطبيعة مهامهم ووظائفهم.

تعد هذه الصفات بشكل عام محمودة؛ لأنها أحد أسباب النجاح في الحياة على مستوى العمل والحياة الاجتماعية.

يتجاوز البعض في هذه الصفات، حتى أنه من الممكن أن يبالغ فيها، وبالتالي تؤثر بشكل عكسي على عمله وحياته، ويعرف هذا الأمر باضطراب الشخصية الوسواسية.

يكون هدف المصاب بهذا الاضطراب الوصول لمرحلة الكمال، ولذلك يهتم بالتفاصيل بشكل مفرط، وذلك على حساب المرونة والانفتاح والكفاءة.

يؤدي استغراقه في أداء ما يوكل له من أعمال بصورة دقيقة ومنظمة إلى أنه لا يحقق ما طلب منه إنجازه، ويصبح الشخص المصاب بهذا الاضطراب مصدراً يبعث على القلق، وينفر الناس من حوله؛ بسبب كثرة تمسكة بالقواعد الصارمة.

تنتشر الإصابة بهذا الاضطراب بين قطاعات واسعة من المجتمع، إلا أنه أكثر حدوثاً في النساء مقارنة بالرجال؛ لأنهنّ يملن إلى الكمال، والسعي إلى الدقة الشديدة في العمل، وإنجاز الأمور بأفضل شكل ممكن.

5 عوامل

يرى الأطباء والخبراء النفسيون أنه لا يوجد سبب واحد واضح حتى الآن يؤدي إلى الإصابة باضطراب الشخصية الوسواسية، إلا أن هناك العديد من النظريات التي تشير إلى بعض العوامل، والتي تشمل عوامل بيئية وتربوية ووراثية واجتماعية ونفسية.

يمكن أن يتسبب في الإصابة بهذا الاضطراب فرط الحماية المفروض على الطفل، نتيجة إصابته بأحد الأمراض المزمنة، أو فرط الطاعة، والذي يعود إلى التعنيف الشديد الذي يتعرض له عند ارتكابه أقل مخالفة.

يرجع بعض العلماء هذه الحالة إلى التربية الصارمة التي نشأ عليها المصاب طفلاً، كأن يكون الأهل أفرطوا في حمايته وإخضاعه للطاعة.

مجتمعات متحفظة

يمكن أن يكون للمجتمعات المتحفظة أو الأديان دور في الإصابة بهذا الاضطراب، فالطفل ينشأ على تلبية قيم صارمة، تجعله يحاول الخضوع لها والتزام الطاعة التامة.

يفتقد بعض المصابين لتعلم مهارات التعامل مع الإجهاد، وهو ما ينعكس في وقت لاحق عليه، ويظهر هذا الأمر في صورة الوسواس.

تؤدي الوراثة في بعض الحالات إلى تطور اضطراب الشخصية الوسواسية، إلا أن هذا العامل يحتاج إلى دراسة جيدة، من أجل فهم علاقته بهذا الاضطراب، وهناك احتمال كبير أن يمرر المصاب بهذا الاضطراب هذه الحالة إلى أطفاله، وذلك بحسب العديد من الأبحاث.

غير منطقية

يظهر على المصابين باضطراب الشخصية الوسواسية عدد من العلامات النفسية والسلوكية، والتي تبدأ باتباعهم قواعد معينة يلتزمون بها، بالرغم من أنها تبدو غير منطقية.

يسيطر عليهم شعور أنهم مقيدون بهذه القواعد التي فرضوها بأنفسهم، لكنهم لا يستطيعون التخلص منها.

يصبح اتباع القواعد والثوابت والأنظمة هدفاً منشوداً، حتى أنهم لا يهتمون لظروفهم وحاجاتهم الحياتية.

يعد هدف الالتزام بهذه القواعد في كثير من الحالات الوصول للكمال، وذلك حتى لو أدى الأمر لنتائج عكسية.

يمكن أن يبذل المصاب قصارى جهده لتحسين عمله حتى يصبح موظفاً مثالياً، إلا أن افتقاده للمسات الأخيرة يضر بهذا العمل، فالبحث عن المثالية هنا يؤدي إلى عدم إكمال المهمة.

وجهات نظر

يمكن أن يكون المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية صارماً في وجهات نظره، وفي الأغلب لا ينظر إلى من لا يتفق معهم أو يأخذ برأيهم، ولذلك لا يعتد لصداقات أو أقارب، بل إن اختلفت حاجات أولئك مع روتينه المعتاد فلا استعداد لديه للتنازل، أو تقديم مرونة تتطلبها ظروف الحياة.

يتجه للعمل دون أن يضع اعتباراً لحاجة الإنسان للمتعة والراحة، بل يفقد القدرة على المرح؛ لأن تفكيره يتحول سريعاً إلى كيفية الحفاظ على القواعد ووضع الكثير من التعقيدات.

يحدث تداخل كبير بين هذا الاضطراب واضطرابات الأكل، فالمصاب به لديه تحكم ذاتي مذهل وقدرة رائعة على تأخير تناول الطعام.

لا تفويض للمهام

يجد صعوبة في أن يفوض مهامه؛ لأنه يحتاج إلى إنجاز الأشياء بنفسه، ويميل للعند والمكابرة، وإذا حدث وفوض في إحدى المهام فإنه يتابع من فوضه بشكل مزعج، ربما منعه من مواصلة إنجازها.

يكون المصاب مشغولاً بشكل مبالغ فيه بالمبادئ والقيم والأخلاقيات والمثاليات، وربما خاصم الناس إن رأى منهم مجرد خطأ يسير لا يستدعي عادة ذلك الانفعال وتلك الخصومة.

تجده يبرر ذلك الانفعال المبالغ بالاستشهاد بالنصوص الشرعية والآثار والأشعار، لكنه استشهاد حرفي لا يعتبر متغيرات الزمان والمكان والأحداث والأشخاص من حوله.

يميل المصاب للتقشف الشديد بدون سبب، ويراعي في حياته ويومياته سلوكيات الاكتناز، ويكون حريصاً على حفظ المال أكثر مما يجب، ويسعى إلى ادخاره بشكل مبالغ فيه، تحسباً لأي طوارئ مستقبلية.

4 عناصر

يجب أن تتوافر 4 عناصر على الأقل في المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية، وذلك حتى يتم تشخيصه بهذا الاضطراب.

تشمل هذه العناصر انشغال المصاب بتفاصيل القواعد والقوائم والنظام والتنظيم، أو الجداول الزمنية حتى أنه يفقد المغزى الأساسي من النشاط.

تظهر لديه الكمالية التي تتعارض مع اكتمال المهمة، فمثلاً يكون غير قادر على إكمال المهمة؛ لعدم استيفاء معايير صارمة أكثر من اللازم.

يخصص أوقاتاً كثيرة للعمل حتى يبتعد عن الأنشطة الترفيهية والصداقات، ويكون يقظاً بشكل مفرط، كما أنه دقيق، وغير مرن حول مسائل الأخلاق والقيم.

يكون غير قادر على التجاهل أو التفريط في أشياء لا قيمة لها، حتى ولو لم تكن لها أي قيمة عاطفية، كما لا يرغب في تفويض المهام أو العمل مع الآخرين، ما لم يقوموا بتنفيذ الأعمال بحسب طريقته هو.

يعتمد أسلوب البخل في الإنفاق تجاه ذاته والآخرين، ويكنز المال تحسباً للكوارث المستقبلية، ويظهر صلابة وعناداً في الكثير من المواقف.

ليس يسيراً

يرى الأطباء والخبراء النفسيون أن علاج اضطراب الشخصية الوسواسية ليس يسيراً، بل طويل ومعقد، وفي الأغلب فإن المريض لا يبحث عن علاج إلا عندما يؤثر في حياته بشكل كبير؛ لأنه يعتقد أن الأفكار أو التصرفات التي يقوم بها صحيحة.

يشمل العلاج النفسي، وكذلك العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج الدوائي للمساعدة في التخلص من أعراض القلق والتعب، وإن كان الأخير ليس لكل الحالات.

يقوم العلاج السلوكي المعرفي على تقنيات تحسن من سلوكيات المصاب، وتقبله لنفسه وللآخرين ووجهات نظره، بتقليل التوقعات وتقييم العلاقات الوثيقة مع التركيز على جوانب الترفيه والمرح، لتراجع التركيز على العمل والإنتاجية.

يساعد العلاج بالدعم المصاب على تخطي هذه الحالة، والذي يمكن أن يتوافر من خلال إحدى المجموعات، أو كدعم أسري ليتم تقوية الروابط العائلية التي تفككت على حساب العمل، ومساعدته على أن يكون أقل وقوفاً عند التفاصيل الصغيرة، التي تجعل علاقاته تنهار ويعزف عنه الناس.

التنفس والاسترخاء

يمكن أن تكون تقنيات التنفس والاسترخاء مفيدة، لتقليل الإحساس بإلحاح النفس والتوتر تجاه الإتمام والكمال، والقلق تجاه الإنجاز الذي يعاني منه مصابو اضطراب الشخصية الوسواسية.

تستخدم بعض الأدوية، كمثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية، أحياناً وتحت إشراف طبيب مختص فقط، وربما كانت مفيدة على المدى القصير، من أجل تخفيف الأعراض جنباً إلى جنب مع العلاج النفسي.

هناك فرق

يشير الباحثون إلى أن الكثيرين يخلطون بين حالة المصاب بالوسواس القهري وبين اضطراب الشخصية الوسواسية، ففي حين أن الأول مرض تتوقف معه الحياة بشكل كبير، ويؤدي إلى عطب فيها، وعدم قدرة المريض على التأقلم مع أفكاره، فإن الثاني خلل في التفكير ولا يعاني المصاب به من منغص لحياته يجعلها تتوقف.

يعد الفارق بين الاضطرابين أن المصاب بالوسواس القهري يكرر الإجراءات لمرات عديدة، وغالباً ما يكون أكثر توتراً وقسوة بعد التكرار القهري لأفعاله، أما المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية فلا يشعر عموماً بضرورة تكرار الإجراءات أو الشعائر، بل هو في العادة يجد متعة في إتقان المهمة.

يطلب المصاب بالوسواس القهري المساعدة الطبيبة حتى يتخلص من مرضه، أما المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية فلا يعتقد أن لديه أي مشكلة، وبالتالي لا يطلب أي مساعدة طبية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"