عادي

القلق البيئي يزيد من معدلات الانتحار

22:08 مساء
قراءة 5 دقائق

صار الحديث عن التغيرات المناخية، وما يرتبط بها من مشاكل، معروفاً للعامة قبل الخاصة، وأصبحت مسميات كالاحتباس الحراري والاحترار العالمي مفهومة للجميع.

نُظِّمَت الكثير من المؤتمرات الدولية لبحث هذه الأزمة وتداعياتها، خاصة في ظل الصراعات بين الدول، وعلى الرغم من الآثار السلبية للتغيرات المناخية في مختلف مناحي الحياة، فإن عدة دراسات ظهرت مؤخراً أشارت إلى أزمة صحية جديدة سببتها هذه التغيرات المناخية، وهو ما أطلق عليه القلق البيئي.

رصدت هذه الدراسات بعض الاضطرابات النفسية التي عاناها بعض المشاركين في هذه الدراسات، والتي استمر بعضها لحوالي 10 سنوات.

شملت في بعض الحالات معاناة القلق واضطراب ما بعد الصدمة، والضغط، وزيادة معدلات العنف، وارتفاع نسب الانتحار.

سجلت بعض الإحصائيات أن زيادة درجة الحرارة القصوى درجة مئوية كل 5 سنوات تتسبب في زيادة انتشار الاضطرابات النفسية والعقلية المبلغ عنها بما يعادل 2%.

يعاني الكثيرون بسبب هذه التغيرات الضيق والقلق، وربما ذكر البعض أعراضاً كنوبات الهلع والتهيج، والتفكير الهوسي واضطرابات النوم.

علاقة وثيقة

يؤدي تغير المناخ إلى تعرض البعض لصدمات نفسية حادة، بسبب الإصابات التي يتعرض لها الشخص أو إصابة أو وفاة إنسان عزيز عليه، أو خسارة ملكية خاصة له، أو الاضطرابات المعيشية التي يعانيها نتيجة للكوارث الطبيعية والمناخية. أظهرت دراسات أن هناك علاقات وثيقة بين الكوارث الطبيعية والصحة النفسية، وأظهر ما يزيد على 35% من المشاركين في جميع الدراسات أعراضاً من الأمراض النفسية، وخاصة القلق الذي يرتبط بأعراض كالفوبيا وتعاطي المخدرات والكحوليات.

من أبرز الاضطرابات النفسية التي يعانيها المتأثرون بتغير المناخ، اضطراب ما بعد الصدمة والضغط والعنف والعدوانية.

ما بعد الصدمة

كانت أعراض اضطراب ما بعد الصدمة واضحة لدى من عانوا تغيرات المناخ، وتم تصنيف المرض لديهم كمرض مستأصل، وكذلك الأمر مع أمراض أخرى، كالاكتئاب، والنزعات الانتحارية، والقلق. وزادت معدلات الانتحار والنزعات الانتحارية لأكثر من الضعف لمن يعيشون في مناطق تأثرت بهذه التغيرات المناخية، على سبيل المثال إعصار كاترينا في الولايات المتحدة.

عانى واحد من كل 6 أفراد شخصوا باضطراب ما بعد الصدمة، وأكثر من 30% ممن يعيشون بالمناطق المتأثرة تولدت لديهم اضطرابات مزاجية وأعراض قلق واكتئاب.

يعد الضغط أحد المشاعر الشخصية، والتي هي استجابة فسيولوجية للشعور بافتقار القدرة على الاستجابة والتكيف مع حالة بعينها.

مصدر إضافي

يمثل التغير المناخي عموماً مصدراً إضافياً للضغط في الحياة اليومية، والذي من الممكن علاجه بالدعم النفسي من الآخرين، إلا أن عدم توفر دعم سيؤدي إلى زيادة الضغوطات ذات الصلة بالمناخ، وبالتالي زيادات في الضغط ومشاكل أخرى كتعاطي المخدرات، والقلق، والاضطرابات، والاكتئاب.

وأشارت التجارب إلى أن هناك علاقة وثيقة بين ارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدلات العدوانية، وبحسب التجارب، هناك علاقة طردية بينهما، فكلما ازدادت درجات الحرارة ازدادت معدلات العنف.

وجد الباحثون أن المدن والمناطق التي ترتفع فيها درجات الحرارة تميل إلى التعرض لجرائم عنف أكثر من المناطق الأكثر برودة، حتى بعد وضع عشرات العوامل الاجتماعية والثقافية قيد الاعتبار كالعمر، والعرق، والفقر، وثقافة الشرف.

للمرة الأولى

أظهر تقرير الجمعية الأمريكية لعلم النفس أن الكثيرين يعانون توتراً وقلقاً نتيجة الآثار المحتملة لتغير المناخ، وحمل عنوان الصحة العقلية ومناخنا المتغير، حيث أشار للمرة الأولى إلى مصطلح القلق البيئي، وعرفه بأنه حالة من الخوف المزمن من تدمير البيئة.

وأكد التقرير أن جيل الألفية يشعر بالتوتر والعجز بسبب حالة الكوكب الراهنة وتحديات إنقاذه، ويواجه حالة من عدم اليقين وانعدام الجدوى من أي محاولة للتعامل مع الوضع.

يتجاوز ذلك الشعور هؤلاء الذين يعيشون في الأماكن المعرضة للكوارث والمشكلات البيئة الملحوظة، ويهيمن على العالم أجمع.

اعتمدت الدراسة على النتائج المأخوذة عن مركز مراقبة الأمراض والوقاية من المخاطر السلوكية بين عامي 2002 و2012، وكانت العينة العشوائية التي خضعت للدراسة تتكون من 1.9 مليون مواطن أمريكي.

3 أنواع

أظهرت أن الأفراد الذين جرى تتبع بياناتهم يعانون ضغطاً عصبياً وشعوراً باليأس، وأجاب الأفراد الذين شملتهم العينة عن أسئلة حول صحتهم العقلية، تشمل الإجهاد، والاكتئاب، والمشكلات العاطفية، والإجابة عن سؤال محدد أيضاً، وهو خلال الثلاثين يوماً الماضية، كم عدد الأيام التي شعرت فيها بأن صحتك العقلية لم تكن على ما يرام؟

فحص الباحثون 3 أنواع من الضغوط البيئية المحتمل أن ينتجها تغير المناخ، وهي: التعرض للأحداث المناخية على المدى القصير، والاحترار متعدد السنوات، والتعرض الحاد للكوارث الطبيعية.

ارتكزوا على بيانات الصحة العقلية، ومعلومات الأرصاد الجوية اليومية، من أجل التحقيق في العلاقة التاريخية بين التغيرات المناخية والصحة العقلية.

محددات ثلاثة

حددت الدراسة 3 عوامل أساسية لسلامة الإنسان النفسية، وهي الحالة الاجتماعية، والحالة الاقتصادية، والحالة البدنية.

يؤدي التغير المناخي إلى تهديد هذه المحددات الثلاثة، ويترتب على ذلك حدوث الاضطرابات النفسية التي بدورها تفاقم الصحة العامة، وتقلل من الإنتاجية، وتقلل من جودة الحياة، فتزيد درجات الحرارة المرتفعة من المخاطر على الصحة الجسدية، وتضر بالنشاط الاقتصادي، وتحفز الصراع الاجتماعي، وتسبب الهجرة القسرية.

وأشارت دراسة أخرى إلى ما أطلقت عليه الحزن الإيكولوجي، وعرفته بأنه استجابة طبيعية للخسائر البيئية، التي من الممكن أن تصير أكثر انتشاراً مع تفاقم الآثار التي تترتب على تغيرات المناخ.

قال الفريق القائم بالدراسة إن الهدف منها التأكيد على أن تغير المناخ ليس مجرد مفهوم علمي مجرد، وإنما مصدر للكثير من الآلام العاطفية والنفسية غير المعترف بها حتى الآن.

فئات حساسة

أكثر الفئات حساسية تجاه التأثيرات السلبية لتغيرات المناخ هم الذين عانوا حالات نفسية سابقة، وذوو الحالة الاقتصادية والاجتماعية الأقل، بالإضافة إلى النساء، وبحسب الدراسات فإن الصحة العقلية للأفراد ذوي الدخل المنخفض ربما تتضرر أكثر بسبب تغير المناخ.

وأشارت نتائج الدراسة إلى أن متوسط درجات الحرارة القصوى التي تزيد على 30 درجة مئوية يزيد من احتمال حدوث مشكلات في الصحة العقلية بنسبة أكثر من 1%، مقارنة بمتوسط درجات حرارة يتراوح بين 10 إلى 15 درجة مئوية.

تزيد كذلك الأشهر التي ترتفع فيها نسبة هطول الأمطار على 25 يوماً من احتمال حدوث مشكلات في الصحة العقلية بنسبة 2% مقارنة بالأشهر الأخرى.

وتشير دراسة أخرى إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يؤدي إلى زيادة أعداد حالات الانتحار، كما يتسبب في ارتفاع مستويات العدوانية بين الأفراد، ويؤدي إلى انتشار أعمال العنف والصراعات بين الجماعات.

نصائح للتعامل

يرى الأطباء والخبراء النفسيون أن التعامل مع المصابين بالاضطرابات النفسية المتعلقة بالتغيرات المناخية، أو ما يطلق عليه القلق البيئي، يعتمد على بعض النصائح، لتلافي أي أعراض حادة أو تدهور الحالة النفسية والعقلية لهم، وذلك لأنه في الغالب لن يبحث هؤلاء عن علاج لما يعانونه من أعراض.

تبدأ هذه النصائح بالتخفيف من الأخبار والرسائل والمقالات التي تزيد من حدة القلق، والتي ترتبط بالكوارث البيئية المختلفة، مع ضرورة إيصال رسالة واضحة وهي أن المناخ يتغير وهذا التغير يؤثر في حياتنا.

توفر الجماعات المساعدة دوراً مهماً في التغلب على ما يشعر بها الشخص من اضطراب، بسبب ارتفاع درجات الحرارة أو ما يصله من أخبار الكوارث الطبيعية المختلفة.

يمكن أن يحتاج الكثير من الأشخاص إلى تناول بعض الأدوية المضادة للاكتئاب أو المهدئات، وذلك للتغلب على نوبات الهلع التي تعرض لهم، مع أهمية أن يكون هذا تحت إشراف طبي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"