«تسونامي» الوصفات الصحية

00:46 صباحا
قراءة دقيقتين

هل صارت النصائح الصحيّة خطراً على الصحة العامّة؟ الذين بلغوا من الكبر عتيّاً، يذكرون الدعابة التي كانت سهامها ترشق مجلة «طبيبك»، التي أسسها الراحل د. صبري القبّاني: «إذا فرغت من قراءتها، شعرت بأنك مصاب بكل أمراض الدنيا».
مثل رياضيات الاحتمالات، حين تطالع عشر موادّ مقالات في عشرة أمراض، في كل موضوع عشرون عرضاً، فإنك ستقع في كمّاشة مئتي وسوسة: عرض لم تكن تعرف تفسيره، ذلك اعترك مؤخراً، فعلاً نومك كان أفضل، لاحظت في الحمّام أن كميّة الشعر المتساقط ازدادت، الموقع صادق، أحياناً تسمع طنيناً في أذنيك، بعد تناولك «الشطة» أحسست بحرقة في المعدة، طبقاً لأعراض القرحة في المجلة... كما لم يقل المتنبي: «على قدر أهل الوهم تأتي الوساوسُ.. وتأتي على قدر الظنون الهلاوسُ».
زاد الطين مليار بلّة أننا في عصر الشبكة. إنشاء قناة بسيط، كل معدات الإنتاج والبث تتلخص في جوّال. الويل لمن يفتقر إلى القدرة على التمييز والفحص والتروّي والبحث. سيعالج السرطان بالكركم، ومئة داء بكبش القرنفل. معاذ الله، فهذا لا يعني أن الطبيعة ليست أعظم صيدلية، لكن الأسوأ من الداء أن تجعلك الأوهام تسلك مسالك خواتيمها مهالك. لا أحد ينكر أن الأدوية الصناعية، غير الأعشاب الطبيّة، لا تخلو من الأخطار على الصحة، خصوصاً إذا كثر عددها في كل يوم، ثم إن وراءها مصالح وأغراضاً تجاريّة، دوليّة أحياناً، إلاّ أن ذلك لا يعني أن سبل العلاج الأخرى، كالطب البديل، الطب الناعم، طب الإبر، العلاج بالماء، العلاج بالصوم..تفيد في كل الحالات. لا شك في أنها نافعة عندما لا يكون الجسم في وضع حرج، فعندئذ لا مفرّ من الوسائل الحادّة. تبقى الوقاية خيراً من العلاج.
للأسف، ثمة ما يدعو إلى الأسى، فالمواقع على الشبكة باتت تشكل تسونامي نصائح صحيّة، تسيء إلى الوعي العام لدى الشعوب، وكأن في سذاجة الضحك من الذقون متعة. منتهى الساديّة، لأن تلك الفئات غير المسؤولة، ترتكب جرائم موصوفة من حيث تدري أو لا تدري. أشنع من ذلك وأفظع، سوء استغلال البسطاء بإقحام الدين، القرآن أو الحديث، بتأويلات ينكرها الفقيه العالم العاقل الرشيد. ذلك تشويه للدين وإضرار بالناس.
لزوم ما يلزم: النتيجة المأساوية: المهزلة هي عدم إدراك أصحاب المواقع المفترية أن مراكز بحوث كثيرة تختبر بهم العقل العربي ومدى أهليّته لحياة لعصره.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"