يونيو المصري

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

يرتبط شهر يونيو في الوجدان المصري بأحداث جسام، منها المزعج ومنها المفرح، أحداث ستظل تذكرها أجيال وأجيال باعتبارها علامات فارقة في التاريخ المصري، ولا يمكن أن تتحول إلى الهامش مهما مر عليها من وقت، ولن تزحزحها أحداث أخرى مهمة قد يشهدها المستقبل. 

 في يونيو أحداث أوجعتنا، ولكنه الوجع الذي تعلمنا منه، وأحداث أصبحت مصدر عزنا وفخرنا وسنظل نروي فصولها لأولادنا وأحفادنا. هو شهر التناقضات في تاريخنا، وهو الشهر الذي لُطِمنا فيه لطمات أفاقتنا وأعادت إلينا وعينا، وأثبتت أن الشعب المصري قد يستكين لبعض الوقت، ولكنه سرعان ما ينتفض ويثور عندما يحس بأي مخاطر تهدد الوطن، ولديه الاستعداد ليثور على ثورته عندما يجدها قد انحرفت عن المسار المأمول، أو سرقها لصوص الثورات، وهو ما حدث في ثورة ٣٠ يونيو التي كانت ثورة تصحيح لما أفرزته ثورة ٢٥ يناير، ليذكر التاريخ أن الشعب المصري هو الوحيد الذي قام بثورتين لم يفصل بينهما سوى ٢٩ شهراً. 

 حدث يونيو المؤلم تمثّل في نكسة ١٩٦٧، والتي أصابت العنفوان المصري في مقتل، وكانت الضربة التي آلمت الشعب والجيش والقيادة، وبعدها مباشرة كان قرار الرئيس جمال عبدالناصر بالتنحي إقراراً بمسؤوليته عن الهزيمة، وبدلاً من أن يستسلم الشعب للهزيمة ويقبل قرار القائد بالتنحي، كانت الانتفاضة الشعبية الرافضة لقرار التنحي والمصرة على أن يقود عبدالناصر بنفسه معركة استعادة الكرامة، تجديداً للثقة فيه وإعلاناً بأن الجيش الذي هُزم هو ذاته قادر على تحقيق النصر، وتأكيداً على أن الهزيمة كانت لها ملابساتها وكان سببها تقاعس وإهمال القيادة العسكرية. 

وقبل أن ينتهي يونيو، أعاد الشعب الثقة إلى القيادة السياسية، التي اتخذت بدورها قرار إعادة النظر في تدريب وتسليح القوات المسلحة وإطلاق معركة استعادة الكرامة، وكان التخطيط لحرب الاستنزاف التي انطلقت في أول أيام يوليو من خلال معركة رأس العش، عندما نجحت قوة من الصاعقة المصرية في صد محاولة من المدرعات الإسرائيلية لاحتلال بور فؤاد، لتكتب أول سطور الانتصار المصري الذي تواصل عبر معارك الاستنزاف التي امتدت لثلاث سنوات، واكتمل بحرب أكتوبر المجيدة. 

 بعد ٣٣ عاماً من الهزيمة، وما أعقبها من استعادة الوعي والكرامة،  يتكرر المشهد ولكن بصورة مختلفة في يونيو ٢٠١٣، فبعد أن سرقت جماعة الإخوان الإرهابية ثورة ٢٥ يناير، وسطت على الدولة في يونيو ٢٠١٢، وسعت لتنفيذ مخططها الخبيث بتذويب الدولة المصرية والسعي لتحويلها من مهد الحضارة والتاريخ إلى منبع التطرف والعنف ومحور التكفير والترهيب ومركز الخلافة الوهمية، كانت ثورة ٣٠ يونيو ضد حكم المرشد، ثورة أصلحت حال مصر الذي أصابه الاعوجاج، واستعادتها ممن كانوا ينوون هدمها وبيع مرافقها الحيوية في مزادات سرية، وتسليم أسرارها السياسية والعسكرية للذين لا يريدون لها سوى الشر. 

٣٠ يونيو، ثورة شعب أراد الحياة ضد فئة ضالة نشرت ثقافة الموت، ثورة ضد أناس تاجروا بدين الله سنوات وسنوات ولم يردعهم أحد، حتى خرج من بين صفوف القوات المسلحة رجل عاهد الشعب وصدق، أنذر الضالين مراراً ونفّذ، وعد بحماية الوطن واستعادته وفعل؛ رجل طالب الشعب بالخروج لمنحه التفويض، فخرجت مصر كلها إلى الشارع ورابطت في الميادين معلنة بصوت واحد انجلاء الليل، وفي ٣ يوليو كان إعلان الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، عن تباشير صباح جديد، صباح عزل الرئيس الإخواني والتحفظ عليه وعلى كل من أراد سوءاً بالوطن، صباح سقط فيه القرار الداعم للإرهاب والصانع للعنف؛ صباح بدأت بعده معركة القضاء على الذيول التي سعت في الأرض فساداً وحاولت نشر الفتنة على امتداد الوطن. 

وها قد جاء المستقبل مهرولاً، كان شهر يونيو أيضاً مركز انطلاقه، ففي يونيو قبل ٧ سنوات تولى قائد ثورة يونيو عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر العائدة من الأسر الإخواني، ليخوض معركتين متوازيتين في آن واحد، معركة ضد الإرهاب والفكر الظلامي، ومعركة البناء والتنمية والإصلاح الاقتصادي، واليوم يحق لمصر أن تعلن انتصارها في المعركتين، إنجازاتها خلال السبع السمان أصبحت حديث الدنيا، وإن كان لا يزال في الجعبة الكثير الذي سيتحقق في السنوات المقبلة والذي سيتم الإعلان عنه في حينه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"