الوقائع تخالف التوقعات

00:37 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

خلافاً لكل التوقعات التي راهنت على فشل قمة بايدن وبوتين المنعقدة في جنيف قبل أيام، تشير الوقائع والمعطيات التي أفرزتها نتائج القمة إلى أنها حققت نجاحاً نسبياً لم يكن ينتظره الكثيرون، إذا أخذنا في الاعتبار أن أحداً لم يراهن على إحداث خرق استراتيجي في العلاقات بين الجانبين، أو حل مجمل القضايا العالمية في جلسة واحدة.

وبعيداً عن الوصفات التي خرج بها من يسمون أنفسهم خبراء التحليل النفسي اعتماداً على لغة الجسد والحركة وحتى ربطة العنق، لمعرفة من هو الرابح ومن هو الخاسر في هذه القمة، وهي في معظمها ترجح فوز بوتين، فإن هناك مؤشرات جادة على أن القمة خرجت بنتائج مهمة إنْ على صعيد العلاقات الثنائية، أو إزاء مجمل القضايا المتعلقة بالساحة الدولية. 

صحيح أن القمة لم تنجح في الوصول إلى تطبيع كامل للعلاقات بين موسكو وواشنطن، لكنها نجحت  على الأقل  في إعادة سفيري البلدين إلى مقريهما، وضبط الخلافات بين الجانبين تحت سقف المنافسة؛ بل إمكانية التعاون حيث تكون هناك مصلحة للطرفين، من دون أن يتخلى أي طرف عن خطوطه الحمر، والأهم أنها فتحت الطريق أمام لغة الحوار بدلاً من التصعيد، سبيلاً لحل المشاكل وبحث مجمل الاستقرار الاستراتيجي العالمي، والهجمات السيبرانية، والتدخلات في الشؤون الداخلية لكل منهما، فضلاً عن إمكانية التعاون والتنسيق في كثير من القضايا الشائكة والمعقدة على الساحة الدولية. 

ما عبرت عنه القمة، وما أقره بايدن وبوتين بنفسيهما، هو أن الحوار المباشر ليس فقط حاجة ضرورية، وإنما يُلغي أو يصحح كثيراً من المواقف المسبقة والمستندة إلى الشحن العاطفي المتراكم عبر تقارير المؤسسات والخبراء والمستشارين؛ ذلك أن الجانبين يدركان أن الناظم الأساس للعلاقات بينهما هو أنهما يمتلكان مقومات تدمير بعضهما بعضاً؛ بل الحياة البشرية برمتها على هذه الكرة الأرضية، ومن المفيد للجانبين العودة إلى مناقشة الموضوع النووي والاتفاقيات المتعلقة بالحد من التسلح والانتشار النووي؛ بل تقليصه ووضعه تحت السيطرة والرقابة المستمرة.

وبطبيعة الحال، لم يكن أحد يراهن على قيام تحالف استراتيجي بين موسكو وواشنطن، أو تحييد موسكو، على الأقل، كما يردد البعض، في مواجهة الصين: القوة الاقتصادية والعسكرية الصاعدة التي تعتبرها واشنطن التحدي الأكثر خطورة؛ لأن مؤشرات قيام تحالف صيني روسي أقرب بكثير من إمكانية قيام تحالف روسي أمريكي. وبالتالي، ربما يكون من أهم نتائج قمة جنيف، أنها أحدثت صدمة إيجابية تجاه ما يتعلق بخيارات القوة، وأزالت الأوهام حول اللجوء للخيارات العسكرية في حسم الخلافات والقضايا المتنازع عليها؛ بل أعادت الجميع إلى أرض الواقع، وإلى لغة الحوار للبحث عن حلول للمشاكل والأزمات والقضايا الثنائية والدولية، حيث لا بديل لذلك مهما كانت هذه القضايا شائكة ومعقدة.

بهذا المعنى، نجحت قمة جنيف في إعلاء قيم المنطق والموضوعية، وليس التخاذل ولا التطرف، وجعل الحوار هو الناظم الأساس للعلاقات، وبالتالي لا يمكن الحديث عن خاسر ومنتصر في هذه القمة؛ لأن رمزيتها تكمن في إيجابيتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"