«الناتو» ولحظة الحقيقة

00:37 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

تكتسب القمة الأوروبية  الأمريكية الأخيرة في بروكسل أهمية استثنائية من حيث إنها أزالت الغموض عن طبيعة التحالفات المستقبلية بالنسبة للقوى الكبرى. وأصبحت صورة المعسكرات المتنافسة والمتخاصمة أكثر وضوحاً. فقد غادرت أوروبا محطة التردد والمراوحة، وحددت موقعها من الصراع وقامت بإعلان حليفها الاستراتيجي كما حددت خصوم القارة بشكل لا لبس فيه ولا يحتمل التفسيرات المتعددة، كما خرجت الولايات المتحدة من القمة وهي أكثر اطمئناناً لتماسك الجبهة الأطلسية. وقال الرئيس جو بايدن إن أوروبا عادت شريكتنا الطبيعية.

 إن عالم ما بعد الجائحة ستسوده مستويات عالية من الخشونة بين معسكرات الأعداء والخصوم. فقد تسبب الوباء في خسائر فادحة في اقتصادات الدول، وعمق الشكوك حول منشأ الفيروس وما إذا كان يمثل بداية واختباراً لحرب جرثومية قادمة. وقد كانت قضايا التعافي الاقتصادي وتحقيقات المنشأ بالإضافة إلى الأمن السيبراني والنمو الصيني المتسارع على المستويين التجاري والعسكري حاضرة بقوة في أجندة اجتماعات قادة الناتو والقمة الأمريكية  الأوروبية في بروكسل.

 لقد وحّدت الجبهة الأطلسية صفوفها بمواجهة طموحات الصين المعلنة في أوروبا و«التهديد المتنامي» الناجم عن تعزيز روسيا ترسانتها العسكرية. وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج.. سنوجه رسالة مهمة إلى موسكو: ما زلنا متحدين وروسيا لن تستطيع تقسيمنا. نلاحظ أن روسيا والصين تتعاونان بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد العسكري. وهذا يمثل بعداً جديداً وتحدياً جدياً لحلف الأطلسي.

 وعبر البيان الختامي للقمة عن مخاوف الحلفاء، والموقف المتحد إزاء التهديدات الجديدة في الفضاء وعلى الإنترنت والإرهاب وصعود الأنظمة المتسلطة. لقد حددت أوروبا موقعها إلى يمين الولايات المتحدة في أي مواجهة، سياسية.. تجارية أو عسكرية قادمة مع المعسكر الآخر.

 لقد كانت هوة الثقة عميقة بين الجانبين، وكانت هناك شكوك أمريكية حيال سياسة الحياد الأوروبي إزاء الصراع مع روسيا والصين، وشكوك أوروبية إزاء ولاء الأمريكيين للحلف العسكري الذي يجمعهما، وشكوك مشتركة حول مدى فاعلية الحلف نفسه وخلافات حول مستوى الانفاق العسكري. كل ذلك لم يعد قائماً بعد اجتماعات بروكسل. ورسمت اجتماعات قادة الناتو إطاراً جديداً لطرق التكيف مع التحديات الجديدة وأطلقت مراجعة للمفهوم الاستراتيجي للحلف الذي اعتمد العام 2010، لمواجهة التهديدات الجديدة في الفضاء والفضاء الإلكتروني.

 ولخص بايدن الوضع الجديد قائلاً.. إننا نواجه أزمة صحية عالمية في نفس الوقت الذي تتعرض فيه القيم الديمقراطية لضغوط متزايدة على الصعيدين الداخلي والخارجي. وتسعى كل من روسيا والصين إلى دق إسفين في تضامننا عبر الأطلسي.

 وخلال لقائه الأخير مع بوتين في جنيف لم يسع الرئيس الأمريكي إلى مبارزة مفتوحة مع الخصم الأبرز، لكنه ومن دون مواربة وضع الخطوط الحمر للتحالف الأطلسي على طاولة زعيم الكرملين. وبعدما حذر من محاولات شق الصف الأوروبي  الأمريكي التي تقوم بها الصين وروسيا قال إنه لن يشعل صراعاً، لكن حلف الناتو مستعد للرد إذا واصل الخصوم أنشطتهم الضارة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"