عادي

بايدن وبوتين.. متى القمة التالية؟

22:18 مساء
قراءة 4 دقائق
1

كتب: المحرر السياسي

يراقب العالم قمم الدول العظمى منذ سنوات، وتربط الدول الصغيرة أحلامها واستراتيجيات العمل السياسي فيها بأجندات تلك القمم ومخرجاتها، بينما تعاني هي وغيرها من نتائجها.

غالباً ما تؤدي اجتماعات القوى العظمى إلى تغيير خطوط التقسيم في العالم، حيث يعاني ضحاياها لعقود، كما حصل في أوروبا الشرقية بين عامي 1945 و1989. وليست القمة الأخيرة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأمريكي جو بايدن، استثناء. فقد ترقب العالم موعدها وراهنت حكومات الكثير من الدول على نتائجها، ولا تزال، واختلفت مواقف المراقبين حول تقييم نتائجها، لكن الثابت الوحيد والمؤكد فيها أن صراع الفيلة لن يهشم سوى العشب الذي يغطي أرض الملعب.

 وبعد أن بلغت المناكفات العلنية بين موسكو وواشنطن حداً بالغاً على خلفية تطورات تمخضت أساساً عن حسابات استراتيجية بعضها خاطئ حتماً، كان لا بد من «تنفيس» الضغوط تجنباً لبلوغ خط اللاعودة. وكان طبيعياً أن تبادر واشنطن باعتبارها القوة العظمى المهيمنة، للدعوة إلى القمة، وفي جعبتها عدد من الأهداف الاستراتيجية المكشوفة وغير المكشوفة، لعل أبرزها تهدئة على الجبهة الروسية لدفع المواجهة مع الصين إلى المرحلة التالية.

 من الفائز؟

 جاءت الدعوة لعقد القمة التي تلقفتها موسكو، بعد أن نعَت بايدن نظيره الروسي ب«القاتل»، وبعد أن أعرب الجانبان غير مرة أن العلاقات بينهما بلغت الحضيض. لقد تبادل الرئيسان المخضرمان عبارات مهذبة قبل بدء القمة، لكنهما لم يعقدا مؤتمراً صحفياً بعد اللقاء، ولكل منهما أسبابه التي تختلف عما لدى نظيره، لكن تصريحات ما بعد القمة كشفت عن بعض ما خفي. ويبدو أن بايدن تجنب عقد المؤتمر خشية أن يستخدم بوتين بعض الحيل التي نجحت مع سلفه دونالد ترامب، في تأكيد الانطباع بأن روسيا تفوز في تلك القمم. واعتبر فلاديمير بوتين نفسه فائزاً حتى قبل إقلاع طائرته إلى جنيف، لأن الاجتماع وضعه على قدم المساواة مع زعيم العالم الغربي الذي يعتبر بوتين «دكتاتوراً».

 وحرص كل من الزعيمين على المسارعة للكشف عما يعتبره إنجازاً سريعاً، «تيك أواي»، حيث ادعى بايدن أنه حذر الزعيم الروسي من خطوط حمراء على موسكو ألا تحاول أبدا تجاوزها، مثل عمليات التجسس و الهجمات الإلكترونية والتدخل في الانتخابات. وعاش بوتين نشوة انتصار خاطفة كشفت عنها تلميحاته إلى أن الأمريكيين يسعون لتغييره، والانقلاب عليه وقد وضع حداً لتآمرهم.

 لقاء متوتر.. وتهدئة

 كانت أجواء اللقاء الذي عقد في قصر «لاجرانج» المطل على بحيرة جنيف، شديدة التوتر في القسم الأكبر من القمة التي استمرت أربع ساعات. لكن إدراك الطرفين أن أي نوع من التهدئة سيكون أفضل من الحرب الباردة التي تحتاج اليوم لأدوات غير تلك التي أتقنتها دوائر صنع القرار في عاصمتي البلدين، خفف حدة التوتر نسبياً. ولعل في التغيير الذكي للموقف الأمريكي من مشروع «نورد ستريم 2»، ومسارعة واشنطن للإعلان عن تمديد اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة الاستراتيجية ما يثبت صحة ما نقول.

 وأضفت السيرة الذاتية لكل من الرئيسين على القمة شعوراً بالارتياح لدى أعضاء الوفدين، وهو شعور انعكس في مختلف عواصم العالم. فكلا الزعيمين يعرف ندّه من جهة، ويحمل في جعبته ما يزيد على عشرين عاماً من العمل في مناصب رفيعة، وفي مثل هذه اللقاءات تفرض المهابة نفسها، وهي أهم من الاحترام الذي يفرضه البروتوكول. 

 دور القوى الوسطى

 فهل يعني نجاح القمة النسبي أن يدخل العالم في مرحلة استجمام؟ الحقيقة أن تعدد اللاعبين في الصف الثاني، أو ما بات يعرف باسم «القوى الوسطى» لا بد أن يؤثر في مسار العلاقات بين البلدين خلال المرحلة التالية. فروسيا لم تعد القوة القادرة على لجم جميع الأطراف المحسوبة عليها في بؤر التوتر على المسرح العالمي، وما جرى ويجري في أذربيجان وليبيا وسوريا يقدم ما يكفي من أدلة على دور القوى الصاعدة مثل تركيا وإيران في الحد من فاعلية القرار الروسي عند الدخول في التفاصيل.

الخلافات المفتوحة

 صحيح أن الرئيس الروسي قال إن حصيلة القمة كانت إيجابية وساهمت في تخفيف التوتّر بين الطرفين، لكن تبقى كل الملفّات الخلافية مفتوحة في انتظار ارتفاع منسوب الثقة في حال تمت استعادتها، بينما تبقى واشنطن في انتظار ما يطرأ في قابل الأيام على التحالف الروسي الصيني الذي ربما كان أهم أهداف القمة غير المعلنة بالنسبة لواشنطن، أي تحييد موسكو في حال نشوب النزاع الذي قد لا تجد الولايات المتحدة مفراً منه، لفرض سيطرتها من جديد كقوة عظمى لا تنافسها قوة أخرى.

 ومع حزم سفيري البلدين حقائب العودة كل إلى سفارة بلاده لدى البلد الآخر، كنتيجة مباشرة لأعمال القمة، سوف يستمر تدافع القوى العظمى ويستمر معه تصعيد المواقف لحماية المصالح، بينما يبقى العالم في حالة ترقب وحذر خشية أن يسبق انفجار طارئ مع تعدد بؤر التسخين، جهود التهدئة عبر القمم. فمن يدري متى تنعقد القمة التالية؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"