غموض يُحيط بمستقبل أفغانستان

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناصر زيدان

يغلُب الارتباك والغموض على الأوضاع في أفغانستان في ضوء الشُروع الأطلسي بالانسحاب من البلاد في حدود 11 أيلول/ سبتمبر القادم، ذلك أن المباحثات التي يقودها المبعوث الأمريكي زلماي خليل زاد مع الأطراف المتخاصمة لم تصل إلى حد ضمان مساكنة سياسية بين الفرقاء، والهجمات التي تتعرَّض لها القوات الحكومية من مقاتلي حركة طالبان هذه الفترة تنمُّ عن نوايا تغييرية، أكثر مما توحي بالاستقرار.

 المعادلة الراهنة مُخيفة، وخارطة المواقف متشابكة إلى حدود التعارض، وإعادة النظر بالمقاربات التي أسست لها قرارات الرئيس الأمريكي جو بايدن بالانسحاب؛ واردة في أية لحظة، لأن أي من الفرضيات التي اعتمدت للمستقبل الأفغاني لم ترس على بر أمانٍ بعد، وخطر اندلاع حرب شاملة في البلاد قائم، كما أن خطر عودة تنظيم القاعدة إلى الظهور مجدداً قائمٌ أيضاً.

 القرار الأمريكي بسحب القوات المتبقية في أفغانستان ثابت حتى الآن، والمهم بالأمر ليس مغادرة 2500 ضابط وجندي أمريكي فقط، فمع هؤلاء سينسحب جنود كافة دول حلف الأطلسي ال 12 ألفاً، وهناك ما يزيد على 16 ألف من الأفغان يعملون مع القوات الأمريكية سيفقدون دورهم ووظائفهم، كما أن التقارير الأمنية المتنوعة أشارت إلى خطر مُحدق يطال الدبلوماسيين الذين يتواجدون في كابول، ولا يوجد أي ضمانة لأمن هؤلاء بعد مغادرة قوات الأطلسي للبلاد.

 حركة طالبان ترفض بقاء أي من القوات الأجنبية في أفغانستان، ولم توافق على اقتراح إبقاء مطار كرزاي الدولي محايداً بحماية قوات أطلسية، وقد فشلت تركيا في مساعيها الرامية إلى الحلول محل قوات الأطلسي التي تحمي السفارات الأجنبية والمطار، ولم توافق حركة طالبان على هذا الاقتراح.

 تماسك الرئيس الأفغاني أشرف غني وإيجابيته لا تعنيان أن الحكومة الأفغانية قادرة على مواجهة الوضع بسهولة بعد انسحاب قوات الأطلسي. وهناك مجموعة كبيرة من المشكلات التي ستنتج عن الانسحاب يصعب التعامل معها من دون معونة كبيرة، خصوصاً كون رئيس مجلس المصالحة عبدالله عبد الله المنافس لغني، لا يبدو أنه متحمس لتذليل العقبات الشائكة من أمام الرئيس، كما أن أطرافاً أخرى غير طالبان تبحث عن دور مستقبلي، ولا تدافع عن الحكومة الحالية بما يكفي. وبين هذه وتلك من الصعوبات، تبرز الأزمات المعيشية الخانقة، والانسداد السياسي،.

 وجيران أفغانستان لديهم حساباتهم الجيو- سياسية، وليس لديهم القدرة على تقديم مساعدات اقتصادية، كما أن المحاور الدولية على اختلافها ذاقت اللوعة من تجارب الماضي، ولا يبدي أي منها حماسة لتبنِّي رعاية الدولة المتهالكة.

 تهديد القوات الأمريكية بالعودة إلى أفغانستان إذا ما تعرض دبلوماسيوها أو أي من قواتها للخطر ليس كافياً لرد الاندفاعة الطالبانية. وطالبان تعتبر أن حماية البعثات الدبلوماسية من مهام الأفغانيين كما هو عليه الحال في كل أنحاء العالم. لكن الاتحاد الأوروبي وبعض البرلمانيين الأمريكيين أشاروا علناً إلى عدم ثقتهم بحركة طالبان، وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة ديبورا ليونز تقول: «إن الخطر لا يقتصر على حياة الدبلوماسيين وأفراد المنظمات الدولية الإنسانية، بل سيطال المدنيين الأفغان أيضاً، لأن سجل الصراع بين أطراف الداخل الأفغاني طويلٌ جداً، وهناك الآلاف من المواطنين الذين تعاونوا مع القوات الأمريكية، أو عملوا معها مهددين بسلامتهم الشخصية».

دوافع هذه المخاوف لها ما يبررها، لأن الهجمات التي تنفذها حركة طالبان في هذه المرحلة شملت مراكز مدنية وإنسانية. ذلك ما حصل أثناء مهاجمة مدرسة في كابول في 8 مايو/ أيار الماضي، وعندما اقتحمت قوات طالبان مركز لخبراء نزع الألغام في إقليم بغلان الشمالي في 9 يونيو/ حزيران، وسقط في الهجومين عدد كبير من الأبرياء غير المعنيين بالصراع بين قتيلٍ وجريح. 

 ومن اللا فت والمُخيف في آن؛ أن مناطق في ولايات متباعدة جغرافياً سقطت بيد المعارضة، وانسحبت منها القوات الحكومية، لاسيما في ولاية فارياب في أقصى الشمال الغربي، وولاية غزني في الجنوب الشرقي وولاية بادغيس في الغرب. وهذه المؤشرات قد تدلُّ على إمكانية انفلات الأوضاع على شاكلة واسعة بعد إتمام الانسحاب الأطلسي.

غموض يحيط بمجريات الأوضاع في أفغانستان، قد يفتح أبواباً جديدة على الفوضى، إلا إذا ما أدركت قوى الشعب الأفغاني المختلفة – بما فيها طالبان – أنهم دائماً مَن يدفعون الثمن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"