عادي
حقوق الإنسان من القرآن والسنة

الهجرة سبيل المضطهد والمظلوم إلى الأمان

22:15 مساء
قراءة 3 دقائق

حث الإسلام على السعي في الأرض وعمارتها، وهو يكفل في سبيل ذلك حرية الارتحال والإقامة، ولا يجوز إجبار شخص على ترك موطنه، من دون سبب شرعي، فمن حق كل إنسان أن يتنقل من مكان إقامته والعودة إليه مرة أخرى، وله الحق في أن يرحل ويهاجر من وطنه، ويرجع إليه من غير تضييق عليه.

وفق المفكر الإسلامي د. محمد الغزالي في كتابه «حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة»، فمن حق كل مسلم مضطهد أو مظلوم أن يلجأ إلى حيث يأمن، في نطاق دار الإسلام، وهو حق يكفله الإسلام لكل مضطهد، أياً كانت جنسيته، أو عقيدته، أو لونه ويحمِّل المسلمين واجب توفير الأمن له متى لجأ إليهم. قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} (سورة التوبة – الآية 6). أيضاً بيت الله الحرام بمكة المشرفة هو مثابة وأمن للناس جميعاً لا يصد عنه مسلم، قال تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ} (سورة آل عمران – الآية 97)، وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (سورة البقرة – الآية: 125).كما قال المولى عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (سورة الحج – الآية 25).

وأشار د.عبد الفتاح بن سليمان عشماوي في كتابه «كتاب حقوق الإنسان في الإسلام»، إلى أن كلمة الهجرة تشير إليها كلمات، اللجوء، والتنقل، واختيار محل الإقامة، والهرب من الاضطهاد. وقال: كل كلمات هذه المواد التي تجمعها كلمة الهجرة من بلد إلى آخر للأسباب التي ذكرت ولغيرها من كل قصد عظيم. والمسلمون هم شيوخ هذا الأمر وأساطينه ومعلموه للدنيا كلها، فقرآننا مملوء زاخر بالأوامر القاطعة بالهجرة تارة، وبالترغيب فيها تارة، وبالثناء على الذين يفعلون ذلك تارة ثالثة، وبالحساب العسير في الآخرة للذين تركوها تارة رابعة.

ومن نوع آيات الأمر بالهجرة، كما أوضح، قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (سورة الملك – الآية 15)، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} سورة محمد – الآية 10)، {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} (سورة العنكبوت – الآية 56)، أي هاجروا إليها، {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} سورة الزمر – الآية 10).

والرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم أعظم من قاموا بأخطر وأجلّ الهجرات في التاريخ.

د.محمد خضر ذهب في كتابه «الإسلام وحقوق الإنسان» إلى أن هذا الفرع من الحرية ما اضطرت هيئة الأمم المتحدة للتنبيه عليه إلا نتيجة للأوضاع المستحدثة في نظم الدول، ولا يحظر على إنسان التنقل من بلد إلى آخر، فهو مأمور بذلك، قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (سورة العنكبوت – الآية 20)، وله أن يقيم حيث يطيب له المقام، ولا يتصور أن يفرض الإسلام على حرية النقل والإقامة قيوداً ورسوله صلى الله عليه وسلم نفسه هاجر وانتقل من مكة إلى المدينة وأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة.

وروى النسائي بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: «مات رجل بالمدينة ممن ولدوا بها، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا ليته مات بغير مولده، قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس بين مولده إلى منقطع أثره في الجنة»، وطبيعي أن الإسلام الذي يفرض الهجرة على المضطهد يفتح صدره مرحباً بالمضطهدين من دول أخرى شريطة ألا يكونوا من المجرمين أو المفسدين ومن هنا يتبين حكم الإسلام في الهجرة واللجوء السياسي للمضطهد، ودل ذلك في ظل الحكم الإسلامي على أن من حق الإمام أن يعطي الأمان للوافد على بلد الإسلام ولو كان مشركاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"