السلام المجتمعي

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

السلام المجتمعي هو خلاصة سلام سياسي واقتصادي وفكري وعقائدي، هو الاتفاق على خطوط عريضة تشكل مبادئ، وتتعمّق فتصبح قيماً تقبلها مختلف الشرائح والطبقات. هو التفاهم الجوهري على القضايا التي تكتسب أهمية قصوى والاعتراف بها وتطبيقها وجعلها أشبه بالسلوك اليومي. هو وضع قوانين تأخذ في الاعتبار كل شاردة وواردة للأفراد والجماعات التي يتكون منها الوطن. السلام المجتمعي هو إقرار الحقوق والواجبات لكل شريحة عمرية، كحقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق أصحاب الهمم، وحقوق الملكية الفكرية وحقوق المواطن وحقوق المقيم، وغيرها من الحقوق التي يجب أن ترد في قوانين ودستور البلاد، ويجب على الجميع الاعتراف والأخذ بها والإيمان بها، وفي المحصلة تتكوّن دولة القانون، ويواكبها وعيٌ بأهمية احترام دولة القانون، فتُستكمل الإجراءات بسلاسة ومن دون تدخلات.
  في هكذا مجتمعات، يقف الجميع في الطابور، ويؤمنون بحق الآخر، وفي هكذا مجتمعات، يقتنع كل فرد بأهلية الآخر وكفاءته وتميزه واستحقاقه للمكانة التي يحتلها، وفي مجتمعات كهذه توجد إلى جانب القوانين أعرافٌ متفق عليها تشبه القوانين، وتقترب من القيم التي يصعب ذكرها في بنود القانون أو الدستور.
  هذا من حيث التنظير للمجتمعات التي حققت السلام المجتمعي، وهي كثيرة في العالم، ارتضت أن تعيش ضمن قوانين سياسية تتعلق بالحاكم والشعب، وارتضت أنظمة للحكم، وكيفية اختيار الحاكم والمسؤولين وتنظيم المؤسسات، وارتضت أن تعيش بقوانين تنظم علاقاتها الاجتماعية من علاقات بين الرجل والمرأة وعلاقات الزواج والطلاق وغيرها.
    المهم في السلام المجتمعي هو الإجماع والاتفاق والقبول، وهذا سيقود إلى الاستقرار والازدهار والتطور. ولو خصّصنا حديثنا أكثر وتناولنا المجتمعات العربية سنجد قوانينها لا تختلف كثيراً عن قوانين الدول المتقدمة، أي قوانين العالم الثالث تشبه إلى حد كبير قوانين العالم المتقدم، فلماذا، على الرغم من وجود قوانين متطورة ومتقدمة في المجالات المختلفة، تعاني الكثير من المجتمعات العربية من خلل في السلام المجتمعي، فتنتشر الفوضى في حركة المرور، والرشوة في المؤسسات، والمحسوبيات في التعيينات والحصول على امتيازات، والاستنسابية في عمل القضاء، والتزوير في الانتخابات، وانتشار الاستزلام في الشارع والمؤسسة، كما نجد التحرّش والتنمّر من دون حسيب أو رقيب، ونجد السرقات الصغيرة والكبيرة، والجرائم الصغيرة والكبيرة ويفلت أصحابها من القانون. 
  هل العيب في القانون أو في القائمين على تطبيقه؟ أم أن العيب في منافسة العرف للقانون؟ فنجد على سبيل المثال صراعاً بين الدولة والقبيلة، ونجد حتى الآن دولاً تلعب العشيرة فيها دوراً مهماً في إدارة المشاكل والجرائم وغيرها. أم أن العيب في غياب الشفافية وفقدان الرقابة على المؤسسات وعمل الوزارات؟ أم أن العيب في انحدار نسبة الوعي والمسؤولية لدى الجمهور، فيساعد في نشر التجاوزات والسكوت عليها ويقدّم ألف تبرير وتبرير. هل تلعب الأمية دوراً في نسبة الوعي؟ هل التعبئة الوطنية ضعيفة نتيجة غياب برامج التوعية المجتمعية والمبادرات الخلاّقة؟ أم أن المناهج التعليمية يعتريها القصور، فلا تولي للتربية أهمية قصوى وتركز على العلوم فقط فيحدث خلل في الشخصية، وبالتالي تظهر زعزعة في الأخلاق؟
  في الواقع، تجتمع الأسباب المذكورة كلها لتؤدي إلى وجود مجتمع فوضوي يمشي عكس السير في كل شيء، في الشارع والمؤسسة والوزارة والمحكمة والسوق وغيرها، لكن السبب الأكثر وجاهة يتعلّق بالمناهج التعليمية والتنسيق بين المدرسة والأهل، وتغليب التربية على العلوم في السنوات الأولى، كما يحدث في اليابان وسنغافورة ودول أوروبية، ويجب أن يسبق ذلك غياب النعرة القبلية والعشائرية، بحيث يشعر التلميذ (ابن الباشا) ويقتنع أنه فرد لا يختلف عن الآخرين ويخضع للقوانين ويتعرّض للعقاب كغيره.
  المجتمعات الخليجية ومن ضمنها المجتمع الإماراتي، تنبّهت لما سبق، فأولت التربية أهمية قصوى بالتنسيق مع أولياء الأمور، ولهذا هنالك فرق بين التلميذ الذي تربّى في الخليج وزميله من الدول الأخرى، والأمر لا يتعلّق بحداثة الدول ولكن بنخبوية الدول، ووجود منظومة تربوية صارمة، فحين يكون الجميع تحت سقف القانون، يتحقق السلام المجتمعي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"