د. عبدالعظيم محمود حنفي *
أصبحت معظم دول العالم على قناعة بأن هناك عناصر إصلاح أساسية للوصول إلى الابتكار والتجديد ضمن ريادية الأعمال؛ وأن تلك الإصلاحات يُرجح أن تكون أكثر نجاحاً كلما اتسع نطاق تقديم الخدمات العامة، بما فيها التعليم والطرق العامة والصحة العامة وفعالية النظام القانوني. عبر إضفاء الطابع الرسمي على النظم القانونية؛ فليس من المهم فقط أن تتكفل الحكومات بجعل تكوين المنشآت أكثر سلاسة، ولكن عليها أيضاً أن تضمن أن يكون الإطار المؤسسي آمناً، خاصة الحماية القانونية للعقود وحقوق الملكية. وقد أصبح هذا الافتراض موضع اتفاق حتى أن معظم الدراسات لا تشعر بالحاجة إلى مزيد من المناقشة، فيما عدا ملاحظة أن الأمر أصعب مما كان متوقعاً. فقيام نظام قانوني، مضطلع بوظائفه جيداً يتطلب وجود منظومة قضائية كفء، بما في ذلك استقلال القضاة المدربين على مستوى عال والذين لا يمكن رشوتهم. كما يتطلب وجود نظام فعال لإنفاذ القانون، حيث إن القانون لا يساوي شيئاً ما لم يتوقع الأفراد والشركات الاحترام الدائم للأحكام الصادرة عن المحاكم. وليس إلزامياً على البلدان النامية أن تعتمد نوعاً محدداً من المؤسسات القانونية سواء كانت ممثلة في التقليد الأنجلو سكسوني حيث يتسم الكثير من القانون فيه – وليس كله – بطابع عام ويميل إلى التطور بمرور الزمن من خلال الأحكام القضائية المتتالية. أو النظام القانوني القائم في بعض البلدان على القانون المدني، حيث يتم وضع القانون عادة بواسطة نوع من العمل التشريعي أو المراسيم الرسمية، أو المؤسسات المنبثقة من مصدر ثقافي ما آخر. وذلك على الرغم من الجدل الأكاديمي الدائر لتحديد النظام الأكثر ملاءمة للنمو الاقتصادي. والأمر الأساسي في اعتقاد بعض الدراسات هو أنه أياً كانت المؤسسات المعتمدة، فمن الضروري أن يتسم بالاستقرار. وأن ينظر إليه المواطنون والمستثمرون الأجانب كمؤسسات جديرة بالثقة ومن ثم تصبح جميع الأطراف قادرة على التوقع المنطقي للأحكام، وهم يباشرون أعمالهم أو حتى فيما يتعلق بحياتهم الخاصة.
إن الوصول إلى هذه النقطة لن يتم بإشارة يد أو من خلال إعلان رسمي، فقد يتطلب الأمر عقوداً وربما أجيالاً لإرسائه على الرغم من أن الخبرة الروسية مع قيم ريادية الأعمال قد تم تمريرها من خلال العلاقات الأسرية عبر أقل من جيل وهو ما يعتبر علامة مشجعة على إمكانية زمن الانتقال. وليس معنى ذلك بأن النمو لن يحدث قبل أن يتم ذلك، لأن الدائرة التي تجري فيها المعاملات التجارية يمكن أن تتسع فقط عندما يكون لدى الطرفين عند نهاية كل صفقة فهم مشترك للقواعد.
ولما كان النمو يحدث إلى حد كبير من خلال التجارة. التي تسمح بالتخصص في العمل، فإنه كلما اتسعت دائرة الثقة هذه بسرعة أكبر، ازدادت فرص تحقيق النمو. ومن الناحية العملية يمكن أن تحل الثقة محل الحقوق القانونية الرسمية. وعندما يعمل هذا يمكن أن يكون أقل تكلفة بكثير من الاعتماد على وثائق قانونية تفصيلية. ويساعدنا هذا على فهم لماذا استطاعت الصين التي افتقرت إلى نظام قانوني رسمي، أن تتحدى العلم التقليدي إلى هذا الحد وتنمو بتلك السرعة. لكن كما بينت التجربة الصينية فإن هناك حدوداً للثقة، فكلما اتسعت المسافة بين الطرفين المتعاملين – إلى حد لا يعرف معه البائع والمشتري بعضهما أو لم يشتركا معاً في معاملات متكررة – تصبح الثقة بديلاً غير كاف للقانون. وفي عالم الغرباء لابد أن يكون القانون حاضراً ليوفر الراحة والثقة للأطراف بأن صفقاتهم مضمونة. وأنه إذا نشب نزاع سيتم حله بطريقة كمتحضرة ومنصفة من خلال نوع ما من عمليات التقاضي. كما أن المستثمرين الأجانب على وجه الخصوص لن يقوموا بأعمال في بلد ما لمجرد معرفتهم بقواعد اللعبة فيها، وإنما أيضاً عندما تتكون لديهم الثقة في القواعد والأحكام سيتم إنفاذها بإنصاف واتساق وعلى وجه السرعة. وهذا يفسر لنا لماذا وافقت الصين- ضمن أسباب أخرى – على تقوية نظامها القانوني والقضائي وإضفاء المزيد من الطابع الرسمي عليها حيث كانت جزءاً من عملية الانضمام لمنظمة التجارة العالمية.
ولا شك في أن المؤسسات والضمانات القانونية نفسها التي تطورت لصالح المستثمر الأجنبي طبقت على الأطراف المحلية ومن ثم لم تعد الصين تمثل تحدياً فيما يتعلق بأهمية الوضعية المعقولة والمنفذة جيداً لحقوق العقود والملكية بالنسبة للاحتفاظ بالنمو الاقتصادي، ومع الوقت يصبح النظام القانوني بالصين أكثر رسمية ليس بالاسم وإنما أيضاً بقوة الإنفاذ (ويشمل هذا حماية حقوق الملكية الفكرية) وهذه نقطة ملتهبة في علاقات الصين مع البلدان الأخرى والولايات المتحدة بشكل خاص.
* أكاديمي مصري