ولادة مشوهة لعملة «بيتكوين»

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

منذ أن أنشأها الياباني «ساتوشي ناكاموتو» (Satoshi Nakamoto)، في 9 يناير/ كانون الثاني 2009، ظلت العملة الرقمية «بيتكوين» (Bitcoin)، عملة غير قانونية؛ بل عملة سوق سوداء بالمفهوم الاقتصادي الشعبي. لكن تصويت البرلمان السلفادوري بأغلبية ساحقة يوم الأربعاء 9 يونيو/ حزيران 2021، لمصلحة قانون اعتماد عملة «بيتكوين» كعملة قانونية رسمية، قابلة للتداول على أساس سعر صرف يعادل دولاراً واحداً، قد منح هذه العملة الرقمية، قبلة الحياة، بعد أن ظلت حبيسة التداول بين المضاربين والمقامرين الباحثين عن الإثراء السريع من خلال كازينو البيع والشراء الذي سهلت وجوده وعملياته الشبكة العنكبوتية. 
ويعني القرار السلفادوري الذي أعلنه بطريقة استعراضية رئيس البلاد، ليس من بلاده، وإنما من ولاية فلوريدا الأمريكية التي تشكل إحدى محطات «طريق الحرير» التي تنتقل عبرها العمالة الرخيصة إلى سوق العمل الأمريكية، من بلدان أمريكا اللاتينية الفقيرة الواقعة في الخاصرة الجنوبية للمكسيك المحاذية للحدود الأمريكية، ومنها السلفادور، التي تشكل تحويلات عمالتها الخارجية نحو 20% من إجمالي ناتجها المحلي؛ حيث يعمل أكثر من مليوني سلفادوري (من إجمالي عدد السكان البالغ 6.5 مليون نسمة) خارج بلادهم، ويحوِّلون إلى أهاليهم أكثر من 4 مليارات دولار سنوياً. وبعد دخول القانون حيز التنفيذ بعد مرور 90 يوماً، سيكون بإمكان المواطنين في السلفادور استخدام «البيتكوين» مثل الدولار الأمريكي في البلاد، كما سيتم عرض أسعار السلع «بالبيتكوين»، وكذلك استخدامها في سداد الضرائب.
بيد أن السلفادور تلقت رداً غير مشجع، حين رد كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، سلباً، على طلب وزير ماليتها أليخاندرو زيلايا الحصول على مساعدتهما الفنية؛ لتشغيل نظام بلاده التداولي الجديد لعملة البيتكوين؛ حيث رد البنك الدولي بالقول: «على الرغم من أن الحكومة السلفادورية قد اتصلت بنا للحصول على المساعدة بشأن عملة البيتكوين، فإن هذا ليس شيئاً يمكن للبنك الدولي دعمه نظراً لأوجه القصور البيئية والشفافية التي تكتنفه». كما أن رد صندوق النقد الدولي، لم يكن أقل إحباطاً، على الرغم من قول الوزير إن المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي كانت ناجحة؛ حيث علّق الصندوق على الطلب يوم الخميس 10 يونيو 2021، بالقول إن لديه مخاوف اقتصادية وقانونية بشأن تحرك السلفادور لجعل عملة البيتكوين عملة قانونية موازية، وإنه ينظر في إشكاليات هذا الموضوع المتصلة بقضايا الاقتصاد الكلي والمالية والقانونية.
لذلك، تبدو «الولادة الرسمية» لعملة البيتكوين، وكأنها جاءت مشوهة؛ لأنها حدثت في بلد فقير، 70% من سكانه لا يملكون حساباً بنكياً، ونظامها المالي والمصرفي لا يتوفر على البنية التحتية الإدارية والفنية والتكنولوجية المطلوبة لتشغيل النظام على نحو فعّال وآمن وسلس. فجاءت تحفظات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على تقديم يد العون للحكومة السلفادورية لتمكينها من تشغيل النظام، ليزيد الغموض بشأن مصير قرار الحكومة السلفادورية، ومعه مصير البيتكوين على المدى القريب والمتوسط.
والحال، أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لا يستطيعان تخطي مرجعيتهما؛ وهي البنوك المركزية في العالم، وفي مقدمتها مجلس الاحتياطي الفيدرالي، التي تتخذ حتى الآن موقفاً مشابهاً من العملات المشفرة (Cryptocurrencies)، ومنها البيتكوين. قد لا تخشى البنوك المركزية العالمية من البيتكوين نفسها، لأسباب عدة أهمها أنها عملة افتراضية ليس لها أي اتصال مباشر بالاقتصاد الحقيقي، كما أن تقلباتها الحادة والسريعة تفوق تقلبات أكثر العملات العالمية معاناةً مما يسمى التضخم المفرط (Hyperinflation)؛ إضافة إلى خشية الحكومات من إمكانية استخدام عملة البيتكوين للتحايل على ضوابط رأس المال، وإمكانية استخدامها في غسل الأموال أو الشراء غير القانوني، واستخدامها المحفوف بالمخاطر بالنسبة للمستثمرين.
لكن، وكما هو واضح، فإن رد المؤسستين الماليتين على طلب السلفادور، ليس نهائياً، ولا رفضاً قاطعاً، وإنما هو يضمر إمكانية قبول الطلب، بعدم تسجيلهما سابقة رفض لمستقبل العملات المشفرة في النظام النقدي المحلي والدولي. فالبنوك المركزية لا تستطيع في نهاية المطاف مقاومة الضغوط الواقعة عليها من صوب التنامي المتزايد للعملات المشفرة، التي انتشرت كالفطر وبلغ عددها زهاء 4000 عملة حتى يناير 2021، على الرغم من أن كثيراً منها لا يكاد يُذكر بالنسبة لحجم التداول، إلا أن بعضها صار يحظى بشعبية واسعة بين شرائح مجتمعية واسعة تبتغي الإثراء السهل والسريع، وبين المستثمرين أيضاً، حتى وصل حجم سوقها اليوم إلى نحو 2.2 تريليون دولار، نصفها في عملة البيتكوين. 
ولأنها تفتقر إلى السلطة المركزية المسؤولة عن إصدارها؛ حيث يتم تشغيلها بواسطة مستخدميها من دون سلطة مركزية أو وسطاء؛ لذا فقد كان هذا سبباً كافياً لجعل الحكومات تخشى العملات المشفرة التي دخلت «كمتطفل» على عملاتها الوطنية الرسمية المعتمدة.
* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"