الحوار والثقة المفقودة

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

غابت الثقة وربما الشجاعة؛ ففشل مقترح الحوار الذي تقدمت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وانضم إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعقد قمة أوروبية - روسية على غرار القمة الأمريكية  الروسية التي عقدت مؤخراً في جنيف؛ لبحث المشاكل العالقة، وهي كثيرة، بين الاتحاد الأوروبي وروسيا.
 غياب الثقة، من بين أسباب أخرى كثيرة بالطبع، منع الشروع في حوار جدي بين جيران يتقاسمون الفضاء الأوروبي قد لا تكون العلاقة التنافسية والخلافات القائمة بينهم أكبر وأخطر من تلك الخلافات القائمة بين موسكو وواشنطن، ما يعني أن الثقة المفقودة لا تتعلق فقط بالخصوم، وإنما أيضاً بالشركاء الذين لم يمتلكوا الشجاعة والوعي الكافي، على حد تعبير ميركل، لفتح حوار مع موسكو، بديلاً عن سياسة المواجهة والعقوبات. ولأن الحوار هو مفاوضات بطريقة أخرى، فما الذي يمنع من انعقاده ليس بالضرورة من موقع الصداقة، وإنما لكونه حتمياً بين جيران لا غنى لبعضهم البعض عن الجلوس إلى مائدة التفاوض وحل القضايا العالقة فيما بينهم؟
 بطبيعة الحال، أظهر فشل الاقتراح وجود انقسام داخل الاتحاد الأوروبي تجاه اعتماد الحوار أو تنقية العلاقات مع روسيا، على عكس ما تريده ميركل ومعها ماكرون من أن قوة الاتحاد الأوروبي تتجلى في وحدة مواقفه. وإذا كان الاتحاد يريد الذهاب بعيداً في بناء «أوروبا الكبرى»؛ فعليه أن يكون قوياً وموحداً، وأن يحاور الروس على هذه الأرضية، وبالتالي يمكن القول لموسكو إن التعاون يتطلب معالجة جميع المشكل، بدءاً من الهجمات السيبرانية وحتى الحروب الانفصالية، ودعم ما تسميه الأحزاب والقوى القومية المتطرفة.
 على الجانب الآخر، صحيح أن هناك ترحيباً رسمياً في موسكو بعقد قمة أوروبية - روسية، لكن أيضاً لم يكن هناك الحماس الكافي لدى القيادة الروسية؛ لإدراكها أن الجانبين ليسا بحاجة إلى «قمة استعراضية» أولاً، وثانياً لأنها لا تتوقع أن تؤدي مثل هذه القمة إلى مقاربات مشتركة حول نظام عالمي جديد، خصوصاً وأنها تعتقد أن السياسة الأوروبية تحددها دول قليلة معادية لروسيا، وفق وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بينها هولندا والسويد ولاتفيا وليتوانيا وبعض دول أوروبا الوسطى، والأهم أن روسيا لن تقبل أن تكون طرفاً هامشياً في أي عملية بناء 
ل«أوروبا الكبرى» يكون مركزها الاتحاد الأوروبي، كما أن أوروبا لن تقبل بدور مركزي روسي على حسابها.
 ومع ذلك، فإنه لكل هذه الأسباب مجتمعة، سواء لدى الطرف الأوروبي أو الطرف الروسي، تبرز أهمية انعقاد مثل هذه القمة، لمنع الخلافات والعلاقة التنافسية من أن تتحول إلى مواجهة، وبهدف تحديد القواعد و«الخطوط الحمراء» من أجل تقليل مخاطر الردع المتبادل والأثمان التي قد يدفعها الجانبان. ومن هنا، تصّر ميركل على عدم الاستسلام أو التخلي عن فكرة عقد القمة، انطلاقاً من اعتقادها بأن الرئيس الأمريكي وحده لن يستطيع معالجة المشاكل الأوروبية مع روسيا، وأن أوروبا قادرة على الدفاع عن مصالحها إذا ما آمنت بقوتها، وتجاوزت نقص الثقة الذي لديها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"