عادي
يدفع لإيجاد وسائل جديدة لكسر الروتين

ملل الأطفال.. مساحة ابتكار يغفلها الآباء

23:41 مساء
قراءة 4 دقائق
1

الشارقة: زكية كردي

مع انتهاء الامتحانات الدراسية، ودخول فصل الصيف بحرارته والقيود التي تفرض على الأنشطة الحياتية المعتادة، تتسارع شكاوى الأطفال من الملل، والتي تنتقل إلى أحاديث الأهل وهمومهم اليومية المكررة، خاصة في ظل الظروف التي فرضها انتشار «كورونا» حول العالم، وصعوبة السفر والتخطيط لإجازات ممتعة كما في السابق.

«تبدو غرفة ابنتها الصغيرة أشبه بمحل ألعاب مزدحم بمختلف أنواع الألعاب، بما فيها الألعاب الإلكترونية، فهي الابنة الصغرى والفتاة الوحيدة في العائلة، ومع هذا تجد صعوبة بالاستمتاع وحدها بهذا العالم، وتشعر بالملل عندما تنشغل الأم بمتابعة شؤون دراسة إخوتها الأكبر، وتضطر للاهتمام بتفاصيلهم».. وتذكر ثريا غزال، ربة منزل، أن الألعاب من دون شركاء في اللعب تفقد قيمتها عند الطفل، فالمنافسة والخيال هما أساس اللعب، وأشعر بأن المتعة الحقيقية لدى ابنتي هي عندما تبتكر سيناريوهات جديدة لألعابها وتجمع العائلة لتعرض إنجازها، أو عندما تحفظ أغنية ما، أو رقصة ما.

ولعل موضوع الشعور بالملل يكون أكثر تكراراً وإلحاحاً لدى الطفل الوحيد، كما تؤكد هدى الحسن، ربة منزل، وتقول: يحظى ابني باهتمام كبير مني، ومن والده، ومن المربية، ومن أصدقائنا أيضاً، فهو الطفل الوحيد في مجموعتنا، ولهذا اعتاد أن يهتم به الجميع ويحصل على الدلال طيلة الوقت، وبشكل طبيعي هو يحظى بوفرة في كل شيء، لكنه رغم هذا يستمر في التعبير عن شعوره بالملل بين وقت وآخر، وسرعان ما يمل من لأنشطة المكررة والمعتادة، وعرفت أن الأمر له علاقة بحاجته للعب مع أولاد من عمره، وبالفعل استطاعت الحضانة أن تحل المشكلة إلى حد ما، لكنه لا يزال متأففاً، وأعتقد أنه تعلم أن يستخدم هذا الملل للحصول على المزيد من الاهتمام الذي اعتاد عليه، لهذا تعلمت أيضاً أن أتعامل مع طلباته الملحة وشعوره بالملل ببرود أكثر لأصلح خطئي معه.

ولا يجاوز عمر الألعاب في أيدي أطفال اليوم إلا بضعة أيام معدودة لتنضم إلى مثيلاتها على الرفوف وفي الدروج المهملة، حسب مصطفى ميلاجي، صاحب ورشة تصليح سيارات، ويقول: في الماضي كان للألعاب قيمة، وكان الأطفال يجيدون الاستمتاع بألعابهم القليلة والبسيطة، ويبتكرون لها حياة تلازم ذكرياتهم، لكن أطفال اليوم لا يمنحون الألعاب أية قيمة، وهذا بسبب الوفرة التي يعيشونها، نحن الأهل جعلنا منهم كائنات مدللة وحرمناهم متعة الحرمان وانتظار الأشياء التي يرغبون فيها، فهم يحصلون على كل شيء قبل أن يرغبوا فيه حتى، أما الشق الآخر لعزوف أطفال اليوم عن الألعاب التقليدية فيتعلق بعدم قدرتها على منافسة جاذبية الألعاب الإلكترونية والأجهزة اللوحية التي باتت تمتلك السلطة الأكبر على عقولهم، وهذا أمر لا يمكن إنكاره، فالشعور بالملل مرتبط اليوم بإبعاد هذه الأجهزة عن أيديهم.

لعل هذا الرأي ينقلنا إلى نقاش مدى صعوبة المهمة على الأهل عندما يدركون خطورة الأجهزة الإلكترونية ويحاولون ملء وقت الأبناء بالأنشطة الطبيعية المعتادة، مثل السباحة وركوب الخيل،،العزف على الآلات الموسيقية، وغيرها من الخيارات الممكنة، ففي كل الأحوال ستبقى هذه الأنشطة أقل متعة لدى الأطفال من هذه الأجهزة، حسب لطيفة مبارك، ربة منزل، وتقول: المشكلة أن الطفل بطبيعته يشعر بنزوع لمخالفة رغبات الأهل، ويستمتع بهذا فيثبت استقلال شخصيته عنهم، خاصة في الأعمار المتوسطة، وهذا يجعل مهمة إغراء الأطفال للعودة إلى الأنشطة الطبيعية مهمة صعبة، فسرعان ما يعبّرون عن مللهم من هذه الأنشطة لرغبتهم في الارتباط بأجهزتهم وأنشطتهم المعتادة.

التحفيز بالأسئلة

تقول زينب قاسم، أخصائية نفسية ومستشارة أسرية: يعتقد الجميع أن الملل الذي يشعر به الطفل شيء سلبي، ولكن إذا عرفنا أن الملل هو طريق الابتكار، فستتغير نظرتنا للملل. فالملل يدفع الإنسان إلى إيجاد وسائل جديدة لكسر الروتين، وأيضاً النظر لكل ما هو متاح بين أيدينا بطريقة جديدة. فالعالم الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل تشارلز تاونز، اخترع الليزر عندما شعر بالملل، وبدأ اللعب بقطعة ورق، والملل يحرر العقل من المألوف ليأخذه إلى عالم التجديد والخيال والذي يؤدي إلى الإبداع والابتكار.

وتضيف: دور الأهل حيال ملل الأولاد هو توجيههم إلى التفكير الإبداعي، وإيجاد الحلول، وإيجاد طرق جديدة للعب بالألعاب القديمة، وابتكار أفكار جديدة للعب والتعلم، وقضاء بعض الوقت معهم وتوجيه الأسئلة التي تجعل عقولهم تتجول في فضاء الخيال الواسع ليأتوا بفكرة جديدة، وأسئلة غير منطقية، كأن يسألوهم: كيف يمكنني استخدام هذه اللعبة لو كنا في المستقبل؟ لو كنا في بلد ليس فيه كهرباء؟ أو لو كنا في مكان لا توجد فيه شمس، كيف نزرع؟ وسيجدون أن الأطفال يبتكرون سيناريوهات جديدة وقصصاً جديدة تفتح المجال لاختراعات جديدة، ولو كان عمر الطفل أربع أو خمس سنوات، اسألوا أي طفل هذه الأسئلة وسيعطيكم أجوبة تبهركم.

وتنصح قاسم بقضاء وقت ممتع مع الأطفال من خلال الاستماع لهم ولأحلامهم، من غير توجيه نصائح، أو نقد لهم، أو محاولة تقديم الحلول لهم، فقط توفير وقت للاستماع لهم، للضحك، واللعب بألعاب تقليدية أو تأليف القصص والنوادر، أو حتى التحدث عن التحديات التي تواجههم ورؤيتهم لها، مشيرة إلى أن الأهل دائماً يحاولون توفير الأدوات للأولاد، ولكنهم يغفلون عن أن مشاركتهم لأولادهم باستخدام هذه الأدوات هي السعادة الحقيقية بالنسبة إليهم، فقضاء وقت ممتع مع الأولاد أقلها 20 دقيقة كل يوم يولد مشاعر راحة تملأ قلوب الأولاد لبقية اليوم.. أولادنا يحتاجون قلوبنا وسمعنا أكثر من وسائل الترفيه والأكل والشرب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"