قلها ومتْ

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

قبل حادث مقتل نزار بنات بخمسة أيام على أيدي عناصر أمنية فلسطينية أثناء اعتقاله لمساءلته عن أدلة حول ما يبثه عبر اليوتيوب، كان هناك اجتماع لحركة فتح برئاسة الرئيس أبو مازن، وبعد كلمته استأذنت لأقول كلمة مقتضبة بحضور كل قيادات فتح. قلت مقتبساً شعراً من الشاعر الراحل معين بسيسو:
فأنت إن نطقت متّْ، وأنت إن سكتَّ متّْ، قلها ومتّ.
رددت هذا الشعر لأنني سبق وقلته في سنة 2004 قبل مرض الرئيس الراحل ياسر عرفات بأشهر، وقلت فيه إن عرفات يعيش رهين المحبسين، محبس الاحتلال ومحبس الحلقة الضيقة المحيطة به، وبعضهم كانوا يتآمرون عليه. كان محاصراً وربما لا يملك لا حول ولا قوة، فلم يستطع التغيير واغتيل بعدها بأشهر لأنهم كانوا يعتبرونه عقبة في طريق السلام. والآن قلت ناظراً إلى الرئيس أبو مازن: «ما أشبه الليلة بالبارحة وحولك بعض الذين يتآمرون وأنت لا تغير شيئاً على الرغم من الترهل في هياكل السلطة. إن رأسك ليس هو المطلوب حالياً فقط؛ بل ورأس فتح والمشروع الوطني الفلسطيني، فإذا لم نتغير وجدنا من يغيرنا والمتربصون بمشروعنا الوطني تجدهم الآن من الداخل والخارج عربياً وإقليمياً واحتلالياً». 
 وبيت القصيد أن النظام الداخلي لا يُحترم، وتتخذ قرارات لا تتم مناقشتها. فاحترام النظام الداخلي يفترض مثلاً أن يتم عرض أي قرار على مجلسها الثوري ليناقشه ويصوت عليه، وهذا لم يحدث مع الحوار في القاهرة مع الفصائل، بينما ناقشه مجلس شورى حماس ليومين ووافق عليه. ومسألة الانتخابات لم تعرض للنقاش أو التصويت؛ بل اتخذ القرار بشأنها دون عرضها على برلمان فتح وإلا لما تم إقرارها، فلو تم احترام النظام لما حدث في فتح ما حدث من انقسامات. فحركة فتح الآن في مهب الريح، فإن لم نصلح أحوالها الداخلية ونجري مصالحات داخلية ونحترم الصغير قبل الكبير فستذهب ريحها وتتلاشى ويتلاشى مشروع إقامة الدولة. 
 عملياً تم اتخاذ قرارات لاحقة باستدعاء 35 سفيراً وإحالتهم إلى التقاعد وتغيير محافظين وترتيب الوضع في القدس باعتبار أن فتح تتحمل مسؤولية مواجهة الاحتلال، والتشبث بحقوق الأسرى والشهداء ورعاية الجرحى حالياً.
 فإذا كانت الهجمة الآن ضد السلطة لتقاعسها عن اتخاذ التدابير الضرورية لإصلاح الخطأ الذي أدى إلى مقتل نزار بنات إلا أنها ستكون ضد فتح لاحقاً، فقد انضم بعض فتح إلى المحتجين مع بعض الذين يريدون فتح التي تغير ما بها بيدها لا بيد عمرو. فإذا كنا نطالب بتطبيق النظام الداخلي لفتح لضبط آلية اتخاذ القرار، فإن تطبيق القانون العام في هذه الجريمة واجب، ولعل الصمت المطبق وعدم تشكيل لجنة تحقيق محايدة، أدى إلى تعقيدات غير ضرورية، فسواء قاوم الضحية اعتقاله أو لم يقاوم فيجب تطبيق القانون.
 فالسلطة تنوء بالأوزار وجهازها الإداري مختلط من كل شرائح المجتمع وانتماءاته، وأي إخفاق تتحمل وزره حركة فتح. لقد كان شعار فصل السلطة عن فتح رفعه القيادي الأسير مروان البرغوثي قبل اعتقاله قبل أربعة وعشرين سنة ولم يؤخذ به، حتى لا تتحمل فتح مفاسد السلطة في الحكم. عملياً تنوء السلطة حالياً بأحمال ثقيلة فهي منذ تسلم ترامب الرئاسة قطعت عنها المساعدات وأيضاً عن وكالة غوث اللاجئين لمعارضتها موقفه من القدس وصفقة القرن، وتوقفت أيضاً المساعدات العربية كلياً وبقيت الأوروبية التي تراجعت بفعل جائحة كورونا. 
 وعلى الرغم من ذلك زادت تكاليف السلطة وتراجعت إيراداتها من الضرائب إلى 200 مليون دولار شهرياً كلها من الضفة بينما المطلوب 200 أخرى يتم توفير بعضها من البنوك كقروض مرتفعة الفائدة. ومن هذه الميزانية يتم صرف 40 في المئة على غزة كرواتب وصحة وتربية وتعليم وشؤون اجتماعية لأن حماس لا تقدم أياً من هذه الخدمات. 
 هذا الوضع الاقتصادي المتدهور كفيل بانهيار السلطة دون مؤثرات خارجية، لكن مع ارتفاع حالة التذمر والبطالة في الضفة والترهل في هياكل السلطة وفوضى الشوارع وانتشار السلاح وتغول الاحتكارات الاقتصادية وجدنا مقتل نزار بنات وكأنه صار كقميص عثمان كل يستخدمه لمآربه وليس لصالح الضحية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"