العالم في مواجهة الوباء

01:10 صباحا
قراءة دقيقتين

من الواضح أن وباء «كورونا» لن ينسحب بسهولة من حياة الناس، فبعد أن انتعشت الآمال بالقضاء عليه، خاصة بعد توزيع أكثر من ثلاثة مليارات جرعة لقاح في العالم، ظهرت سلالات جديدة سريعة الانتشار، تهدد الإجراءات المتبعة، والإغلاقات التي طالت شهوراً وحققت نتائج فعلية بخفض عدد الإصابات إلى أدنى مستوى. هذه السلالات قد تفاقم الانهيار الاقتصادي حول العالم، وتضاعف الخسائر في العديد من القطاعات وأهمها قطاع السياحة، الذي ضُرب في مقتل خلال العامين 2020 و2021، إضافة إلى انهيار سوق العمل، وتأثر قطاعي الصحة والتعليم، ووقوع عشرات الملايين في براثن الفقر والجهل.
أستراليا، التي كانت سياساتها ناجعة في حصر المرض ومنع انتشاره، حيث سجلت فقط 30 ألف إصابة وأقل من ألف وفاة منذ ظهور الجائحة، ها هي اليوم تعاني تفشي سلالة «دلتا» التي ظهرت أولاً في الهند، وأغلقت حدودها وحجرت مقاطعاتها، كما عاد الوباء لينتشر في بريطانيا التي لقحت نسبة كبيرة من البالغين، واتجهت العديد من الدول إلى منع السفر منها وإليها، بينما زادت نسبة الإصابات في أوروبا إلى أعلى مستوى منذ 10 أسابيع، لتصبح التوجهات بفتح الحدود والاقتصاد على المحك. وعلى الرغم من تطمينات خبراء طبيين بنجاعة اللقاحات في مواجهة كل متحورات هذا المرض، فإن آثار الجائحة تتجاوز فقط القطاع الصحي، إلى قطاعات كثيرة أنهكت إلى أبعد حد. 
وفي ما يتعلق بالقطاع السياحي، فالأمم المتحدة نشرت دراسة صادمة، أشارت فيها إلى أن أعداد السائحين على مستوى العالم تشهد ركوداً هذا العام باستثناء بعض الأسواق، ما يتسبب في خسائر قد تصل إلى 2.4 تريليون دولار، في حين أنه ليس من المنتظر أن ينتعش هذا القطاع بالكامل قبل 2023، لكن الدراسة أعطت أملاً بعدما قالت إن التطعيم ضد الوباء أمر حيوي لاستعادة الثقة في السياحة الخارجية التي توفر شريان حياة للعديد من الدول، ففي 2020 انخفضت أعداد السائحين على مستوى العالم 73% عن مستوياتها في 2019، قبل جائحة «كورونا»، وهذا مؤشر خطر جداً، حيث يضع الملايين في خانة البطالة، ويقضي على اقتصادات دول كان الدخل الأساسي لها من السياحة.
وثمة تقارير دولية عدة أشارت إلى أن أعداد الفقراء ازدادت عشرات الملايين، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه الأرقام، بسبب عجز الدول عن تقديم الدعم لمواطنيها، في حين أن مئات الملايين من الأطفال عجزوا عن حضور دروس التعليم بسبب الإجراءات الصارمة للإغلاق.
الفيروس «الخبيث» كان علامة فارقة في تاريخ البشر، فهو على الرغم من عودته إلى الانتشار فإن حملات التلقيح ستنتصر عليه قريباً، لكن ما يخلفه من انهيارات سيحتاج إلى سنوات طويلة قد تستمر لعقود لمعالجتها؛ لذا فإنه يقع على عاتق الحكومات بناء أنظمة حديدية تستطيع الصمود في وجه التحديات المستقبلية، والقدرة على تجاوز الجائحة بأقل الأضرار الممكنة، عبر تغليب منطق الوحدة والتلاحم على حساب الفرقة والتصارع، وإلا فإن البشرية ستكون في وضع يُرثى له.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"