عادي

مرآة الإبداع.. خجولة

22:55 مساء
قراءة 7 دقائق

** استطلاع: نجاة الفارس
لماذا الناقد على خصام دائم مع الجمهور؟ الروايات الأكثر مبيعاً.. المسرح الكوميدي... السينما التجارية، في كل الأعمال الناجحة جماهيرياً نجد وجهة نظر مختلفة للناقد، يوضح عدد من النقّاد والكتّاب أن ثورة النقد هي دائماً التي تنير السبيل أمام النهضة الأدبية، والنقد الحر النزيه هو الدعامة للأدب الرفيع، فالنقد فن، ويمكن التأكد من صحة أحكام النقد بمدى تماسكها وقدرتها على تفهم العمل الأدبي وتفسيره وتحليله وتحديد مواطن القوة والضعف فيه، وإن وجود الناقد المتخصص يكشف لنا أين تكمن مواضع التفوق، وأين يكون الإخفاق؛ لنستفيد من ذلك، وحتى تكون لنا القدرة على القراءة العلمية لأي عمل نشاهده في الرواية السينما والمسرح بعيداً عن القراءة الانطباعية الجماهيرية التي نستقيها من الآخرين.

1

يمتلك الناقد عينا تختلف في قراءتها للنصوص عن أعين الجماهير؛ ومن طبيعة الحال أن يختلف الجمهور معه في وجهات النظر حول النصوص المنشورة؛ كما أن لمستوى وعي وثقافة القارئ سبباً مباشراً لأي جدل يدور مع الناقد. النقد والإبداع متلازمان لا يفترقان، يكمل كل منهما الآخر، فلا مبدع من دون ناقد يسلط الضوء على أعماله وينير جوانب إشراقها والنقاط التي تحتاج فيها إلى تطوير وتعديل، وبالمقابل لا وجود للناقد من دون مبدع يمدّه بالمادة الأساسية لممارساته النقدية.

الدكتورة مريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية، تقول: «أي نوع من الخصام بين الناقد والجمهور ما هو إلا نتيجة عدم فهم الآخر أو عدم تقبله، وأجد إن وجد مثل هذا الخصام يعود إلى عدم فهم الوظيفة الحقيقية للنقد، وذلك إما عن عدم وعي المتلقي بوظيفة النقد أو تقديم بعض النقاد صورة غير صحيحة للنقد الموضوعي النزيه، وهو بالأمر الطبيعي في هذه الحياة التي نعاني فيها في كل مناحيها هذا النوع من الخصام، ولكن وجب على أصحاب النوايا الصادقة أن يكونوا من القوة بأن يثبتوا حضور النقد النزيه، وبذلك نسهم قدر المستطاع في سد فجوة ما يسمى بالخصام بين طرفي الإبداع، ومن هنا لا يمكن لأرقام المبيعات أو الجوائز أو الترجمات أو الشهرة أن تغير من النظرة الموضوعية للناقد تجاه العمل الفني؛ بل ويجب أن يتمتع بالاستقلالية من كل ما يمكن أن يؤثر في موضوعيته من ترسبات أيديولوجية أو دينية أو سياسية أو ذاتية، وإلا يكن فالنقد، هباء، لا تحكمه قواعد معرفية حقيقية».

وتتابع:« ثورة النقد تنير السبيل أمام النهضة الأدبية، والنقد الحر النزيه هو الدعامة للأدب الرفيع، فالنقد فن، ويمكن التأكد من صحة أحكام النقد بمدى تماسكها وقدرتها على تفهم العمل الأدبي وتفسيره وتحليله وتحديد مواطن القوة والضعف فيه، وفي ذات الوقت كم نحن بحاجة لتلك الخصومات الأدبية الإيجابية، التي يحتدم فيها الخلاف بين الأدباء ويحكم فيها النقاد- منصفين أو متحيزين – ففي فترة من الفترات الثقافية كانت مواسم خصبة للأدب، لتدفع الشباب إلى متابعة قضايا الأدب ومشكلاته ودراسته وإلى الاهتمام به، وجاءت تباعاً خطوات بنّاءة في النقد وهي من القوة والدقة والعمق بمنزلة عالية كانت ذات أثر في توجيه حركة الأدب والنقد».

أبعاد خفية

الشاعر الدكتور إياد عبد المجيد أكاديمي وناقد، يقول:«يكشف الناقد المتخصص لنا أين تكمن مواضع التفوق، وأين يكون الإخفاق؛ لنستفيد ككتاب من ذلك في أعمالنا القادمة أو يوضح لنا كمشاهدين الأبعاد الخفية لما نراه حتى تكون لنا القدرة على القراءة العلمية لأي عمل نتابعه في الرواية السينما والمسرح بعيداً عن القراءة الانطباعية الجماهيرية، فعندما يقول لنا أحدهم هذا عمل (سخيف) ننصرف عنه وكأن من أطلق هذا الرأي خبير فني متخصص وعندما يقول لنا أحدهم أن هذا العمل رائع نتابعه وكأن صاحب الرأي لا يشق له غبار، لا بأس اليوم أن نسمع الآراء من جمهور متنوع في الأعمار وفي الثقافات، ربما سيقول الجمهور أن هذا العمل (سخيف - تافه - روعة - يضحك – الممثل الفلاني غير موفق في عمله - يا لثقل هذه الممثلة – لم يفلح المخرج – الكاتب لم ينقل لنا الحقيقة كما ينبغي.. إلخ)، نحن أمام عدة آراء كون كل واحد منهم رأيه بشكل مختلف فمنهم من تابع العمل كاملاً ومنهم من تابع أداء ممثل أو ممثلة أحبه أو كرهه ومنهم من كوّن رأياً مسبقاً عن هذا الإنتاج ومنهم من أعجبته عبارة يرددها ممثل ويكثر منها (حتى ولو كانت سخيفة) ومنهم من سمع أن أطفاله في المنزل متابعين له فاعتبره بالضرورة عملاً ناجحاً.. إلخ».

ويوضح عبد المجيد في السنوات الأخيرة برزت في صحافتنا فكرة الرأي الجماهيري، ففي السابق عندما تقرأ خبراً أو تحقيقاً أو مقالاً فإنه إن لم يكن جوارك من يهمه سماع رأيك فأنت ولا شك ستتكلم مع نفسك، أما الآن فبإمكانك أن تكتب رأيك ويقرؤه الآخرون، وذلك بدخولك إلى الموقع الإلكتروني للجريدة وتسجيل تعليقك أو اطلاعك على تعليقات من سبقك، والجمهور لا يشده المجهول ولكن يشده المعروف فمثلاً قد تكتب موضوعاً شائقاً ولا تجد عليه أي تعليق وقد تكتب كلاماً يتداوله الجمهور ليحظى بعدة إعجابات، الجمهور اليوم هو ناقد قوي وفطري في المقام الأول ويجد في التعليقات فرصة للتعبير عن رأيه والمساهمة في الكتابة. ولكن في ظل غياب الناقد المتخصص هل يمكن الاستفادة من الرأي الجماهيري الذي يكتب كتعليقات في الوصول إلى تحليل لنوعية العمل والمشاهدين ورصد لما يحظى بقبولهم للاستفادة منها في تكون رؤية للأعمال المستقبلية، فالجمهور الذي يحب عملاً معيناً أويقرأ رواية أو يشاهد حقبة زمنية لم يعشها، سيعطي رأيه، ويطرح أفكاره، أو حتى انطباعات تؤخذ بالحسبان، فالجمهور هو الناقد الأول والأخير، ومن المفيد للصحف أن تتوسع في عمل منتديات جماهيرية تسهم في سماع المزيد من الآراء المفيدة وبمساحة تعليق غير محددة الكلمات، فالناقد المتخصص أصبح الآن عملة نادرة، ومسألة الأخذ برأي الجمهور في العمل الفني محفوفة بالمخاطر وسلاح ذو حدين خاصة؛ فالوعي الثقافي في أزمة شديدة.

اختلاف

وتؤكد الشاعرة هنادي المنصوري أن للناقد عيناً تختلف في قراءتها للنصوص عن أعين الجماهير من القراء؛ ومن طبيعة الحال أن يختلف الجمهور معه في وجهات النظر حول النصوص المنشورة؛ كما أن لمستوى وعي وثقافة القارئ سبباً مباشراً لأي جدل يدور بينه وبين الناقد، فالقاري المتبّحر المدرك فيما يقدمه الناقد قد يندمج حواره معه وقد يتجه على نحو معاكس وفق إيمانه بنقطة النقاش؛ والخلاف مع الناقد يختلف مستواه مابين راقٍ أو دونه حسب المستوى الفكري والسلوكي الحضاري لدى القارئ المحاور له، وربما يؤدي نجاح أي مادة منشورة من رواية أو فيلم أو مسرح- إلى تسليط الأضواء عليها وبالتالي تكون الأكثر تعرضاً لمجهر الناقد؛ فما لم يُسَلَّط عليه الضوء لاشك سيبقى طيّ النسيان؛ إلى إن يبحث عنه مجهر الناقد المجتهد، فالناقد يقوم بدور مهم في رصد نقاط ضعف أو قوة المادة المنشورة؛ لربما تصَب في مصلحة منتجيها ليتجنبوا نقاط الضعف هذه في أي عمل قادم.

1

مقومات

الدكتور أحمد عقيلي ناقد وأكاديمي، يقول:«حين نتحدث عن العملية النقدية ومقوماتها ووظيفة الناقد فيها، نعود إلى جذور المصطلح وبداياته، إذ ورد مصطلح نقد في معاجم اللغة العربية في معانٍ مختلفة لعلنا نذكر أبرزها: نقد الشيء نَقْداً أي نقره ليختبره، أو ليميز جيِّده من رديئه، ونقد الدّراهمَ والدّنانير نقداً، أي ميَّز السليم من الزائف، ويقال: نقَد النثْرَ، ونقد الشِّعْر: أي أظهر ما فيهما من عيْب أو حُسْن، وفلان ينقُد النَّاسَ: يعيبهم ويغتابهم، وهنا تكمن المشكلة لدى كثير من القرّاء، والجماهير، والمبدعين سواء كانوا شعراء، روائيين أو مسرحيين، وهي في الخلط بين دلالات المصطلح، فالنقد ليس انتقاصاً أو شتيمة أو سبة، ولا تقوم وظيفة الناقد على إظهار عيوب النص الذي يقوم بدراسته وتقديم رؤيا نقدية فيه، وإنما وظيفته أن يجلو مفاتيح هذا النص ويظهر مناقبه ومثالبه، فلكل عمل إيجابيات وسلبيات ولا يوجد عمل أدبي كامل لا يطوله النقصان».

ويوضح أن العملية النقدية عموماً وفي تناول الإبداعات الأدبية على اختلاف أنواعها: الشعر- القصة، الرواية، والمسرح، على وجه الخصوص، تمثّل مرحلة مهمة من مراحل بناء قواعد وأسس الكتابة الراقية السليمة التي تسعى نحو الريادة الإبداعية، لكن للأسف حين نتحرى وجود هذا الناقد ودوره في الحركة النقدية المواكبة للنتاج الإبداعي في عصرنا الراهن، نراها متواضعة وشبه غائبة إلى حد كبير، والسبب الانطباع الخاطئ لدى كثير من المثقفين والمبدعين وموقفهم السلبي تجاه الناقد ودوره، بل نجد كثيراً منهم يرفض وجوده أصلاً ويتذمرون منه ومن ممارساته النقدية، ومجرد ذكر اسمه يعتبر نقطة توتر بالنسبة للمبدع.

ويصنف عقيلي النقاد في ثلاثة اتجاهات: اتجاه يعتمد على الأحكام الانطباعية السطيحة خوفاً من موقف المبدع وردّة فعله سواء كان شاعراً أو قاصاً أو مسرحياً، واتجاه ينوء بنفسه عن العملية النقدية مفضلاً الابتعاد خوفاً من ردّات فعل المبدعين وجماهيرهم، واتجاه يقوم بممارسة العملية النقدية بحرفية واتزان وموضوعية، وأرى أن من مهمة الناقد أن يمدّ جسور الحوار مع الأدباء والمبدعين، ليوضح لهم أن النقد ليس انتقاصاً لعمل المبدع؛ بل على العكس تماماً، فمن دون النقد والناقد لا يمكن للعمل الأدبي أن يبصر النور، إذ كيف نميز جيد الأدب من غثه، وكيف نتذوق مكامن الإبداع في أديم الصفحات التي تجود بها قريحة المبدع ؟.

عناصر متكاملة

يقول الدكتور أحمد عقيلي: أشبّه الثقافة الإنسانية بما فيها من إبداعات وممارسات فكرية ونقدية بالجسد البشري يكمل كل عضو منه الآخر، ولا يمكن لجزء منه أن يعيش منعزلاً عن الآخر، فالناقد والشاعر والروائي والمسرحي والكاتب والفيلسوف وغيرهم عناصر فاعلة في الحياة الثقافية البشرية، والمهم أن يقوم كلٌّ بدوره ووظيفته بعيداً عن الأفكار الجاهزة والأحكام المسبقة، لنرتقي بالحركة الثقافية العربية ونصل بها إلى مصاف العالمية والإبداع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"