البيانات من أجل عالـم أفضــل

23:28 مساء
قراءة 3 دقائق

د. علي توفيق الصادق *

عنوان هذا المقال هو عنوان «تقرير عن التنمية في العالم 2021» الذي أعده وأصدره البنك الدولي في شهر مارس/آذار 2021. يحتوي التقرير على ثلاثة أجزاء هي: النهوض بالأهداف الإنمائية من خلال البيانات، مواءمة حوكمة البيانات مع العقد الاجتماعي، و العمل على إنشاء نظام وطني متكامل للبيانات. يحاول التقرير الإجابة عن سؤالين أساسيين هما: كيف يمكن للبيانات أن تعزز أهداف التنمية بشكل أفضل؟ و ما هو نوع ترتيبات الحوكمة اللازمة لدعم توليد واستخدام البيانات بطريقة آمنة وأخلاقية مع تقديم قيمة عادلة؟ المعروف أن الابتكارات التكنولوجية الحديثة، أدت إلى زيادة هائلة في توفير الوقت وتوليد البيانات. هذه الابتكارات في توليد البيانات تخلق فرص تحسين الأداء الاقتصادي للشركات، وإعادة توجيه البيانات لتحسين تصميم وتنفيذ وتقييم السياسات العامة ولمساعدة الأفراد والمجتمعات، وتوفير خيارات أفضل من خلال الوصول إلى مزيد من المعلومات والمعرفة.
يمكن أن تؤدي البيانات إلى حياة أفضل من خلال قنوات متعددة منها: يمكن للحكومات استخدام البيانات لتحسين البرامج والسياسات واستهداف الموارد النادرة للأشخاص والمناطق المهمشة. ويمكن للقطاع الخاص استخدام البيانات لدعم نماذج الأعمال القائمة على النظام الأساسي التي تحفز النشاط الاقتصادي والتجارة الدولية في الخدمات. ويمكن للأفراد، المدعومين بالبيانات، أن يتخذوا أفضل القرارات ومساءلة الحكومات.
يعد النمو غير المسبوق للبيانات وانتشارها في كل مكان في حياتنا علامات على أن ثورة البيانات تعمل على تغيير العالم. ومع ذلك، فإن الكثير من قيمة البيانات لا يزال غير مستغل. البيانات التي يتم جمعها لغرض واحد لديها القدرة على توليد قيمة اقتصادية واجتماعية في التطبيقات تتجاوز بكثير تلك المتوقعة في الأصل. لكن العديد من الحواجز تقف في طريقها، بدءاً من الحوافز المنحرفة وأنظمة البيانات غير المتوافقة إلى الافتقار الأساسي للثقة. تقرير عن التنمية في العالم 2021: بيانات من أجل حياة أفضل يستكشف الإمكانات الهائلة لمشهد البيانات المتغير لتحسين حياة الفقراء، مع الاعتراف أيضاً بإمكانية فتح الأبواب الخلفية التي يمكن أن تضر الأفراد والشركات والمجتمعات. لمعالجة هذا التوتر بين الإمكانات المفيدة والضارة للبيانات، يدعو تقرير البنك الدولي هذا إلى عقد اجتماعي جديد يتيح استخدام البيانات وإعادة استخدامها لخلق قيمة اقتصادية واجتماعية، ويضمن الوصول العادل إلى تلك القيمة، ويعزز الثقة بأن البيانات لن يساء استخدامها بطرق ضارة.
يبدأ هذا التقرير بتقييم كيف يمكن لاستخدام البيانات وإعادة استخدامها بشكل أفضل أن يعزز تصميم السياسات العامة والبرامج وتقديم الخدمات، فضلاً عن تحسين كفاءة السوق وخلق فرص العمل من خلال نمو القطاع الخاص. نظراً لأن إدارة البيانات بشكل أفضل هي المفتاح لتحقيق هذه القيمة ينظر التقرير بعد ذلك في كيفية تمكين سياسة البنية التحتية وتنظيم البيانات والسياسات الاقتصادية والقدرات المؤسسية من مشاركة البيانات لفوائدها الاقتصادية والاجتماعية، مع الحماية من النتائج الضارة. ويختتم التقرير بجمع الأجزاء معاً وتقديم رؤية طموحة لنظام بيانات وطني متكامل من شأنه أن يفي بوعد إنتاج بيانات عالية الجودة وإتاحتها بطريقة تعزز استخدامها وإعادة استخدامها بشكل آمن. من خلال دراسة هذه الفرص والتحديات، يوضح التقرير كيف يمكن للبيانات أن تفيد حياة جميع الناس، لاسيما الفقراء في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
أصبح موضوع حوكمة البيانات محل نقاش حاد في الاقتصادات المتقدمة وبشكل متزايد في الاقتصادات الناشئة الكبيرة. على الرغم من ذلك، لا يزال العديد من الأسئلة المعقدة المتعلقة بالسياسات قائمة دون إجابة. واستجابة لهذا الوضع، يستكشف هذا التقرير المشهد القائم ويقدم لصانعي السياسات إطاراً للتفكير من خلال القضايا والفرص والمفاضلات. ويؤكد التقرير أن البيانات هي سيف ذو حدين. فهي توفر، من ناحية، إمكانات هائلة لخلق قيمة من خلال تحسين البرامج والسياسات ودفع الاقتصادات وتمكين المواطنين. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي تراكم البيانات إلى تركز السلطة الاقتصادية والسياسية، مما يزيد من احتمال إساءة استخدام البيانات بطرق تضر المواطنين. فالبيانات هي مورد يمكن استخدامه وإعادة استخدامه تكراراً ومراراً لخلق مزيد من القيمة، لكن هناك مشكلة تتمثل في أنه كلما أعيد استخدام البيانات، ازدادت مخاطر إساءة استخدامها. إن القدرات الإحصائية على إنتاج البيانات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واستخدامها بفاعلية هي قدرات محدودة. فالعديد من البلدان الفقيرة لا تستطيع تتبع الماليات العامة بدقة، أو البلاغ عن الديون الخارجية، أو رصد أهدافها الإنمائية.

*مستشار اقتصادي ومالي

[email protected]


 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير مالي وإقتصادي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"