قبل أيام احتفل الحزب الشيوعي الحاكم في الصين بمرور مئة سنة بالضبط على إنشائه، لأن انطلاقته الأولى كانت في الأول من يوليو/ تموز 1920 .
ولا بد أن هذه المسيرة الطويلة سوف تظل تدعو إلى التأمل والدهشة في الوقت نفسه، ليس لأن الحزب عاش قرناً كاملاً من الزمان، ولا لأن عدد أعضائه يصل في هذه اللحظة إلى 92 مليون عضو، فهذا العدد يساوي عدد سكان بريطانيا مرة ونصف المرة.. كل هذه أشياء تبقى مفهومة في بلد وصل تعداد سكانه إلى مليار بني آدم، ثم زاد 400 مليون مواطن فوق المليار.
السبب الذي يدعو إلى الدهشة والتأمل معاً، أن هذا الحزب الذي يحتفل بذكراه المئوية، والذي لا يُخفي شيوعيته بين أحزاب العالم، يقود بلداً أصبح اقتصاده هو الاقتصاد الثاني على وجه الأرض، بعد اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال تقف في المرتبة الأولى.
كيف حدث هذا، وكيف لا يزال يحدث؟ هذا هو السؤال الذي يشغل بال حكومات كثيرة في عالمنا، وبالذات طبعاً حكومة الرئيس جو بايدن في واشنطن.. ومن قبلها حكومة الرئيس دونالد ترامب الذي رحل عن السلطة وهو على يقين بأن فيروس كورونا هو صيني في الأساس.. ولذلك لم يكن يسميه فيروس كورونا، وإنما كان يقول عنه إنه الفيروس الصيني.
وإلى سنوات قليلة مضت، كانت اليابان هي صاحبة الاقتصاد الثاني في العالم، ولكن الصين أزاحتها وجلست في مكانها، وهي من بعد أن حققت هذه الخطوة راحت تفكر في الخطوة الأكبر.. وهذه الخطوة هي أن بكين تتحرك وعينها على مقعد الاقتصاد الأول، وتريده أن يكون من نصيبها لا من نصيب بلاد العم سام .. وخبراء الاقتصاد يقولون إن هذا وارد، وإنه ممكن خلال سنوات قليلة .
ولأن الولايات المتحدة تراقب خطوات الصين جيداً، فإنها تكاد ترى ما يراه خبراء الاقتصاد في هذا الشأن، ويزعجها أن يتحول ما تفكر فيه الصين إلى حقيقة، وتعمل طول الوقت على منع ذلك بأي طريقة، وتضع بكين في مرتبة الخصم السياسي الأول لها.
وفي جولته الخارجية الأولى التي جرت في يونيو/ حزيران الماضي، راح الرئيس الأمريكي بايدن يتنقل بين لندن حيث حضر اجتماعات قمة الدول السبع الصناعية، وبروكسل حيث حضر اجتماعات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وجنيف حيث عقد قمته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بينما الهاجس الأكبر الذي يؤرقه هو صعود الصين اقتصادياً وتأثير ذلك في مركز بلاده بين الأمم.
ولا نعرف ما الذي سوف يفعله بايدن في هذه المواجهة من هنا إلى 2024، حين ستجرى انتخابات الرئاسة الأمريكية، ولكن ما نفهمه مما يمارسه منذ صار رئيساً في العشرين من يناير/ كانون الثاني، أول هذه السنة، أن وضع الصين في العالم يمثل عنده أولوية أولى طوال سنواته الأربع.
ومن قبل كان ترامب قضى سنواته الأربع في البيت الأبيض، وهو يقود حرباً اقتصادية لا هوادة فيها مع بكين، ولم تكن الحرب بينهما تهدأ إلا لتعود وتشتعل من جديد، ولكن البلدين كانا يخوضان حربهما طول السنوات الأربع بينما شعرة معاوية الشهيرة ممتدة بينهما لا تنقطع. وكان ترامب كلما شدها من جانبه، أرخاها الرئيس الصيني شي جين بينج على الجانب الآخر، وكان الرئيس جين بينج إذا شدها أرخاها الرئيس الأمريكي على الضفة الأخرى من المحيط.
وتشعر وأنت تتابع هذا كله بين البلدين، أن الصين تراقبه من مكانها على الخريطة، ثم لا تفعل شيئاً سوى أنها تضحك وتعمل.