خلف الجدران حكايات

01:15 صباحا
قراءة دقيقتين

الجدران الأربعة المحيطة بك بلا نافذة ولا هواء، هي سجن يقبض على حريتك، لا تشعر بالراحة والحرية والأمان إلا إذا ثقبت الجدار وجعلت للريح ممراً تصل منه إليك. 
ليست الثقوب دائماً عيوباً، ليس التحطيم دائماً هدماً، وليست الفسحات دائماً تباعداً.. فكيف لنور الشمس أن يخترق الغابة لولا الفسحات بين أشجارها؟  
قلبك السجين خلف قضبان قفصك الصدري، يعرف كيف يتحرر من الأسر، يسافر دون أن يخرج من مكانه، يبحث عن الجمال، يعشق، يزداد خفقاناً فتدبّ الحياة في كل شرايين بدنك، يزهر الفرح على الجبين والوجنتين، تشرق الابتسامة، يلمع بريق العينين.. فجأة تصير أنت وقلبك خارج الجدران وخارج أي حدود حتى ولو كنت متسمراً في مقعدك.
القلب أكثر وأسرع تحرراً من عقلك وبدنك. جسدك هذا المثقل بالمخاوف والمحاذير والحسابات، يكبلك بأغلال أفكارك، يخشى كسر الروتين، يختار سجنه بإرادته، يسأم ويتململ، لكنه لا يتحرك ولا يغادر سجنه. ماذا إن كسر قضبان يومياته وخلع خموله؟
الجدران التي تلاقت فطوّقتك، لا يمكن لها أن تكون سجناً إلا إذا وجدت فيك السجان الذي يأسر نفسه بنفسه. 
احفر ثقباً في الجدار دون أن تلمسه، جمّل المكان، سيّجه بالخيال، بالحلم، بالأمل، بالفرح، بالإبداع، بالحكايات التي تصنعها بنفسك، بعطرك، بضحكاتك، بكل بصمة منك لا تمحوها أيام ولا ألوان، بل تصبح ذكريات، والذكريات تنعش الأماكن، لا تغادرها، تلتصق بها فتحكي معها للعابرين حكايتك.
كم من قصور شيّدتها أمهات لأبنائهن من غرف صغيرة وبيوت ضيقة. كم من فضاءات حلّق فيها الأطفال إلى الكواكب والنجوم ليصنعوا مجداً من خيال وإبداع وطموح وابتكار.. كم من مستقبل ناجح رسمه آباء لصغارهم من إرادة وعزيمة وتصميم وثناء!. 
خلف الجدران حكايات، البعض يصنعها من حرير وجمال، والبعض يغلق كل المنافذ وكل الأبواب بأغلال النفس، فتصبح السجن الذي يرى الدنيا من وراء قضبانه. 
كل البيوت تتشكل من الجدران، والجدران تحفظ حكايات ساكنيها، تضحك لضحكهم، تتسع وتتمدد فتشعر أن البيت السعيد تشرق شمسه من كل الاتجاهات وترقص فيه النسائم والرياح، والجدران العابسة يسكنها الغضب ويتمكن من كل زواياها، مظلمة، تضيق بأهلها، تلفظ النور وتكتم الأنفاس. كلها حكايات مرسومة على الجدران، نعيشها ونمشي، لكن الحكايات تبقى كالبصمات، لا بد أن يراها الآخرون ويعرفون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"