«كورونا» يفضح العدالة

22:23 مساء
قراءة 3 دقائق

د. لويس حبيقة*
وضع كورونا مشكلة المساواة والعدالة في الواجهة. المساواة كما العدالة متحركتان اذ تتطوران مع الزمن والثقافة والحضارة وبالتالي تحديدهما صعب. عندما نتكلم عن المساواة، يجب أن نحدد في ماذا؟ في الدخل أو الثروة أو السعادة أو الحرية أو الفرص أو الحقوق أم في غيرها. تعريف المساواة أيضاً متغير من مجتمع لآخر. هنالك فارق كبير بين التعريف الرأسمالي الغربي للمساواة والتعريف الاشتراكي الشيوعي لها. يؤثر مفهوم المساواة في النمو والاستقرار وبالتالي يجب تحديده بدقة عبر القوانين.
لأن المشكلة الصحية تواجه اليوم الجميع، أصبحت القضية هي كيفية مواجهة الجميع لها. أصاب فيروس كورونا كل المناطق والأعراق والأجناس وبالتالي يجب أن تكون المواجهة واحدة لأن حماية جزء من الشعب لا تكفي حيث العدوى تنتقل. هنالك مساواة في الإصابة وبالتالي يجب أن تكون هنالك مساواة في المواجهة. ماذا ينفع الغنى المادي إذا لم يستطع المريض بأمواله الحصول على اللقاح المناسب أو الدواء القاتل للمرض. 
أصابت كورونا منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فانحدر دخل الأسر كما سقطت إيرادات الصادرات. الدول النفطية لديها الاحتياطي النقدي ولا تحتاج للمساعدات، أما الدول المصدرة للعمالة فهي في وضع خطير. التحويلات النقدية الوافدة إليها تشكل 14% من الناتج، فتدنت 20% مما يعمق الفقر في الدول المتعثرة أصلاً كالعراق ولبنان وسوريا والسودان. في تلك الدول انحدر الناتج المحلي 7% في 2020 بعد ارتفاع 2,6% في 2019. أما الناتج الفردي فمن المتوقع أن ينخفض من 2900 دولار في 2018-2019 إلى 2100 دولار تبعاً لصندوق النقد. هنالك نقص كبير في عدد الأطباء في تلك الدول أي 8 لكل 10 آلاف شخص بينما المعدل في مجموعة الدول الناشئة هو 14. 
برزت خلال الأزمة الصحية أهمية الأنظمة المناسبة. بوريس جونسون، (رئيس الوزراء البريطاني) قالها صراحة إن النظام البريطاني أنقذ حياته وحياة الألوف من المواطنين. 
أهمية النظام البريطاني أنه يشعر المواطنين أنهم متساوون في أهم ما لدى الإنسان أي صحته. سئل البريطانيون أي قسم من المجتمع يثقون به، وكانت الإجابة الأطباء والجسم الصحي من ممرضات وممرضين وغيرهم. يعتقد البريطانيون أن النظام الصحي يجب أن يكون فاعلاً كالنقل الجوي، حيث الحصول على سرير في مستشفى يجب أن يكون بنفس سهولة الحصول على مقعد في طائرة. هنالك من يقول اليوم إنه لو بدأت بريطانيا في الحجر قبل فترة لوفرت العديد من الضحايا. هل هذا صحيح ومن المسؤول؟
يقول «أمارتيا سن» الاقتصادي الشهير أن المأزق يقع دائماً بين هدفين خيّرين وليس بين هدف جيد وآخر سيئ. لا يقتصر الموضوع فقط على الاختيار بين الحقوق والإيرادات، بل يجب تقييم أي سياسة اجتماعية تبعاً لتأثيرها على التضخم والنمو الاقتصادي العام. الطريقة الوحيدة لحل كل هذه الأمور هو الحوار العلني العام كما يقول الاقتصادي الشهير «فرانك نايت». يقول «جايمس بيوكانان» الحائز جائزة نوبل إن الديمقراطية هي الحكم عبر النقاش والحوار. يتم النقاش العلني الحضاري في المؤسسات أي في المجلس النيابي أو الحكومة أو عبر الوسائل الإعلامية والسياسية المعروفة.
من أبرز الكتب التي عالجت مشكلة العدالة وتوزع الدخل والثروة هي «رأس المال في القرن 21» للاقتصادي «توماس بيكيتي». في العموم هذه الكتب لا تبيع لأنها تقنيّة وجافة وبالتالي تبقى محصورة في مجتمعات معينة ربما أكاديمية. إلاّ أن كتاب بيكيتي باع 2.2 مليون نسخة مترجمة إلى 30 لغة وهذا فريد ويؤشر إلى اهتمام المجتمع الدولي بموضوع العدالة والفقر والاستقرار الاجتماعي.
 كان بعض النظريات يقول إن تخفيض النسب الضرائبية على الأغنياء يدفعهم إلى الاستثمار وبالتالي تنخفض البطالة وهذا ما لم يحصل. كما وضعت سياسات اجتماعية أضعفت النقابات وبالتالي صوت العمال مما ساهم في إضعاف موقفهم والسماح باستغلال حقوقهم.
مشكلة سوء العدالة تفاقمت مؤخراً وإن كانت موجودة سابقاً. سوء توزع الثروة أخطر وأكبر من سوء توزع الدخل علماً أنهما مترابطان جداً. لا ننكر طبعاً مساهمة الأغنياء في تمويل العلوم والآداب والتعليم مما يساهم في بناء المجتمعات وتطويرها.
* أكاديمي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"