السياسة الصينية في شمال إفريقيا

00:30 صباحا
قراءة 3 دقائق

تندرج علاقات الصين بدول شمال إفريقيا في سياق جيوسياسي يشكل أهمية قصوى بالنسبة للعلاقات الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، فإذا كانت هذه العلاقات تمثل جزءاً من أجندة السياسة الخارجية لبكين في إفريقيا بحكم الاهتمام المتزايد للقوى الكبرى بالقارة السمراء، إلا أن هذه العلاقات تتجاوز من حيث أهميتها نطاق المصالح الاقتصادية المباشرة، بالنظر إلى البعد الاستراتيجي الذي تمثله دول شمال إفريقيا، لاسيما مصر، في الصراع الدائر حول مناطق النفوذ بين القوى العظمى.
 ويجمع المراقبون على أن العلاقات الصينية- المصرية، تمثل امتداداً لتواصل قديم بين حضارتين كبيرتين، وهي علاقات عمل الطرفان على تطويرها في زمن الحرب الباردة في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، الذي حرص على أن تكون علاقات مصر متميزة مع القوى الصاعدة في سياق مبادئ عدم الانحياز. وقد ترسّخ التعاون بين الدولتين خلال السنوات الأخيرة من خلال المشاركة الفعّالة للقاهرة في منتدى التعاون بين الصين والوطن العربي، وتم إنشاء منطقة للتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية في السويس التي تمثل إحدى الطرق البحرية الأكثر أهمية في العالم؛ كما أن مصر تعتبر من بين أوائل الدول في إفريقيا التي أنظمت إلى البنك الآسيوي للاستثمار والذي يمثل جزءاً من المنظومة الاقتصادية التي تعتمد عليها بكين من أجل إحياء مشروع طريق الحرير.
وتشير الإحصاءات، إلى أن المبادلات التجارية بين بكين والقاهرة تجاوزت حجم التعاملات بين مصر والولايات المتحدة، وبخاصة منذ عام 2014 قبل زيارة الرئيس الصيني إلى القاهرة سنة 2016 التي أسهمت في ترقية العلاقة بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة. ويجري التنسيق- حالياً- على أعلى مستوى بين البلدين في العديد من الملفات الدولية، لاسيما في إفريقيا والشرق الأوسط.
 وتعتبر الجزائر ثاني أهم دولة في شمال إفريقيا بالنسبة للصين، فقد توطدت العلاقة بين البلدين منذ حرب التحرير الجزائرية سنة 1958؛ حيث كانت الصين أول دولة غير عربية تعترف بجبهة التحرير الوطني كممثل للشعب الجزائري في كفاحه ضد الاستعمار، وكانت الجزائر من أهم الدول الإفريقية التي لعبت دوراً كبيراً في دعم مطلب الصين الشعبية من أجل استعادة مقعدها الدائم في الأمم المتحدة من الصين الوطنية سنة 1971. وقد أسهم التوافق السياسي بين العاصمتين في دعم الاستثمار الصيني في الجزائر؛ حيث أسهمت الشركات الصينية في إنجاز أهم مشاريع البنية التحتية في هذا البلد.
 أما بالنسبة للملكة المغربية، فإنه وعلى الرغم من شراكتها التقليدية القوية مع أوروبا، لاسيما مع إسبانيا وفرنسا، فإن العلاقات بين الرباط وبكين عرفت قفزة كبيرة خلال السنوات الماضية؛ إذ تراهن الصين على المغرب بوصفه البوابة الإفريقية المتقدمة مع الاتحاد الأوروبي، وبوصفه أيضاً بلداً يملك علاقات متميزة مع دول غرب إفريقيا ومن شأن كل ذلك أن يدعم جهود الصين الساعية إلى جعل علاقاتها مع دول شمال إفريقيا منطلقاً لإقامة علاقات استراتيجية مع القارة السمراء.
ويمكن القول في السياق نفسه إن العلاقات الصينية مع ليبيا وتونس ليست أقل أهمية من علاقاتها مع باقي دول المنطقة، فبكين مهتمة بالملف الليبي وتنسّق بشكل لافت مع جيران طرابلس من أجل التوصّل إلى حل سياسي للأزمة الليبية يضمن تحقيق الاستقرار في هذا البلد، ويساعد الشركات الصينية على استعادة مكانتها في السوق الليبية. 
  نخلص في الأخير إلى أن تركيز الصين على شمال إفريقيا ومصر بشكل خاص، راجع إلى قناعة بكين أن هذه المنطقة تمثل همزة وصل بين آسيا وإفريقيا وأوروبا وحوض البحر الأبيض المتوسط، ويمكنها أن تلعب دوراً حاسماً في إنجاح مشروع الصين المتعلق بإحياء طريق الحرير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"