أنا كوكوش.. أمي بغداد وأبي العراق

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين

الإعلامي الحيوي الذكيّ نعمة بصرية ثقافية وهو يقدّم لك مادة تلفزيونية تجد فيها ذاتك القارئة والجمالية، وتلقائياً، تقيم صداقة ضمنية معه قاسمها المشترك الحرفية والمهنية، بهدوء، وثقة، وجاذبية عفوية.
قبل أيام أجرى الإعلامي المثقف خالد مدخلي في قناة «العربية» الفضائية حواراً مع المغنية الإيرانية كوكوش، واسمها الحقيقي: فاغية صابر آتاشين.
بذكاء وأناقة إعلامية سأل خالد مدخلي السيدة السبعينية التي ما زالت معتقة بجمال أذري تركي يعود إلى أصولها العائلية، عما إذا كانت تقبل الغناء في السعودية إذا طلب منها ذلك؟ وهي ردّت بأناقة أيضاً أنه لا مانع لديها من الغناء في السعودية، وفي أي مكان في العالم؛ بحيث لا يُطلب منها الغناء بشروط تحدد أغانيها في مطلب محدد.
خالد مدخلي وبروحيته الشخصية والإعلامية الجميلة طلب من كوكوش أغنية يختم بها لقاءه العذب مع هذه المغنية التي كانت ظاهرة موسيقية في سبعينات القرن العشرين، فغنّت بالعربية لفيروز: «حبّيتك بالصيف، حبّيتك بالشتي»، لتخرج الكلمات من حنجرتها السبعينية بشخصية صوتية تنسجم مع عمرها وثقافتها الموسيقية، وتختلف في الوقت نفسه عن شخصية فيروز التي تكبرها بنحو عقد من الزمن وما زالت هي الأخرى فردوساً مُعَتّقاً من الجمال الأصيل.
في أثناء بحثي عن معلومات يمكن أن تكون جديدة بالنسبة إلى القارئ الصديق حول كوكوش، وجدت قصيدة مترجمة إلى العربية عن الفارسية كتبتها كوكوش في العراق الذي تحبه، وأذيعت أغانيها قبل ذلك باحتفاء فني وثقافي من جانب التلفزيون العراقي في سبعينات القرن العشرين، وأعتذر مقدّماً عن عدم معرفتي باسم مترجم هذه القصيدة، لكنني أنقلها كما هي بصدقها وبساطتها التي تعكس صدق وبساطة السيدة كوكوش وهي تقول «أنا كوكوش الهاربة من عصري/أنا كوكوش الهاربة من أمي وأبي../.. فهل عرفتم أمي وأبي مَنْ هما؟؟../.. أمي بغداد وأبي العراق../.. فسلاماً يا بلد الخالدين، سلاماً من كل الحاقدين../.. أنا اخترت مصيري../.. لأرى بعيني المتمّردة../.. أنا فتاة تعشق العراق../.. وأنا لا شيء أمام أبطاله../.. لست سوى فتاة هاربة../.. وفي صمتي حنين لوطني../.. وفي ذكرياتي عبق من ياسمين بلادي../.. أنا كوكوش تلك التي لا تريد سوى الشهادة في بلد الأحرار».
غَنّت كوكوش بأكثر من خمسين لغة ولهجة. أكثر من مئتي لغة دارت حول العالم، وبصوتها أصبحت الموسيقى لغة بشرية كونية ذَوّبَتْ المذهبيات والطائفيات والعقد العرقية والأيديولوجية. عرفت السجن في طهران، ومنعت من الغناء، وتزوّجت ثلاث مرّات، وتصّرح عادة بمواقف سياسية جريئة، وكل ذلك في جانب، وفي الجانب الآخر جمالها المركب من عبقريتين من السماء: عبقرية الصوت، وعبقرية الوجه والحضور والكينونة الأنثوية المعمّرة حتى وهي في السبعين.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"