عادي
رفض أساطير تخلف الشعوب الأخرى

جوزيف كونراد.. الروائي الملاح يتمرد على الاستعمار

23:00 مساء
قراءة 3 دقائق

فرض الروائي البولندي جوزيف كونراد (1857 – 1924) على شتى رواياته شخصية الراوي الذي كان غالباً رئيس بحارة متقاعداً، رأى بعض النقاد أنه يرمز للأنا، فكان كونراد يظهر كيف تأثر الراوي بالتجارب والشخصيات بالرواية التي يرويها، وكيف تشكل وعيه وتغير منظوره للحياة جراء هذا.

كتب كونراد كثيراً من الروايات التي جرت أحداثها بالبحر ما بين السفن والمراكب الشراعية والجزر والطبيعة والأدغال، وعبر في كتاباته عن علاقة الطبيعة بالإنسان والنفس البشرية وما يعتريها من صراعات واضطراب أخلاقي، وتذبذبها ما بين الكفر والإيمان، التفرقة العنصرية وعلاقة الشرق بالغرب، وما يسمى بأسطورة الاستعمار الذي هو بمثابة نشر للمعرفة وإنقاذ للشعوب التي تعيش في ظلمات وجهل.

تأثر كونراد كثيراً بتجربة عمله بالملاحة فصارت قاسماً مشتركاً بين العديد من أعماله الروائية، مثل «قلب الظلام» و«نوسترومو» و«لورد جيم» وعلى رأسها قصصه القصيرة بعنوان «حكايات من زمن القلاقل» (1898) وهي أول مجموعة قصصية قصيرة له وتضم: «البلهاء» و«نقطة التقدم» و«العودة» و«البحيرة» وقد ترجمت المجموعة إلى العربية د. نرمين جمعة.

صورت القصص القصيرة في المجموعة ذاتها عالمين متوازيين، العالم الواقعي بما فيه من طبيعة وبحار وأدغال والكثير من المتناقضات من عنف ولين وصخب وصمت وظلام وضياء، والعالم الداخلي للنفس البشرية بما فيه من صراعات نفسية لا تقل ضراوة وشراسة عن الحروب والمعارك التي تدور على وجه الأرض.

تعكس هذه المجموعة تجارب إنسانية عديدة قد تتباين في المضمون والشخصيات غير أنها لا تزال جميعها تحمل ذات الروح الخاصة السائدة بروايات كونراد، تعبيره عن الطبيعة بصور رائعة لا تخطئها حواس القارئ الذي يرى الأشجار والبحار والجداول، ويسمع خرير الماء وتلاطم الأمواج العنيفة بالصخور الصلبة ويشم عبير الأزهار ورحيقها.

لم تخل روايات كونراد من فكرة الوطن والغربة واختلاف الأجناس والطبائع البشرية، والتي تعد أثراً من آثار عمله بالبحار وتنقله من أرض لأخرى، بعيداً عن وطنه، وشعوره بالغربة والحنين للوطن ومخالطته للعديد من الأجناس والبشر مختلفي الطبائع والألوان.

دأب كونراد أيضاً على نقد الغرب وأسطورة محو ظلام كهوف الشرق حيث الجهل والبربرية ونشر الضوء والمعرفة والحضارة بشتى صورها، لذا كانت أكثر الصور انتشاراً برواياته هي صورة «الظلام والضوء» وهي صورة لا تخلو منها صفحات رواياته باختلاف الموضوع والأحداث، فصار الظلام والضوء رمزاً متكرراً عادة ما كان يرمز للشرق والغرب، للبيض والسود، للعبيد والأحرار، للحرية والعبودية، للمعرفة والجهل، للأخلاق والتردي الأخلاقي، ولحشد لا حصر له من المتناقضات.

لم يعبأ كونراد كثيراً بالأحداث في قصصه القصيرة المنتمية لهذه المجموعة فنجدها مقتضبة وجيزة، بينما يتركز اهتمامه بصورة أكبر على الشخصيات فيضفي على رواياته بعداً نفسياً وفلسفياً في آن مما يصبغ أعماله بصبغة غامضة تجعلها أكثر تعقيداً، وتجعل السمات الفردية لكل شخصية والصراعات النفسية التي تعتريها مسؤولة بصورة كبيرة عن نقل فلسفته، والتعبير عنها من خلال التصوير الذي يعكس هذا ببراعة وبصورة قد لا تبدو مباشرة غير أنها موحية بعمق.

عمل كونراد في صفوف البحرية التجارية البريطانية على مدى ستة عشر عاما، حتى صار رئيساً للبحارة، ومنح الجنسية البريطانية عام 1886 وهكذا أتيح له الإبحار إلى أنحاء كثيرة من العالم، حتى ختم حياته البحرية في عام 1894 وبدأ رحلته الأدبية التي أثمرت 13 رواية و28 قصة ومجلدات من الرسائل والمذكرات ومن أشهر رواياته «قلب الظلام» و«الورثة» و«تحت عيون غربية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"