ظاهرة الامتناع عن التصويت

00:21 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

برزت خلال الأشهر القليلة الماضية ظاهرة لافتة تتمثل في الامتناع عن التصويت في الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمناطقية، كما حدث في إيران وفرنسا والجزائر ودول أخرى؛ إذ بلغت نسبة المستنكفين ما بين 60 و70%.
هي ظاهرة تستدعي الانتباه حول الانتخابات، كإحدى آليات الديمقراطية التي تقول ب«حكم الشعب»، وهي شكل من أشكال الحكم يشارك فيه جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة، إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم.
إن عزوف أكثر من نصف الناخبين عن العملية السياسية يطعن في مصداقية الديمقراطية، ويعبّر عن عدم رضى السواد الأعظم من الناس عن الخيارات المطروحة والنظام السياسي ككل، ويشكك في النتائج، وفي فاعلية من يتم اختيارهم لأي منصب سياسي.
وعلى الرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة عام 1948 يؤكد أن «إرادة الشعب هي مناط السلطة، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تُجرى دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري»، فإنه لا يتم احترام هذا الحق من الحقوق السياسية في مناطق مختلفة من العالم، إما من خلال خلل في النظام الانتخابي، وإما من خلال هيمنة حزب معين يفرض لوائحه الانتخابية، وإما باستخدام المال السياسي أو عدم الشفافية في الاقتراع، وعدم سلامة العملية الانتخابية. هذه الأسباب مجتمعة تشوّه العملية الانتخابية وتُفقدها معناها الحقيقي، وتصبح الديمقراطية شكلية وبلا قيمة.
إضافة إلى ذلك، فإن الاستنكاف عن التصويت هو رسالة سياسية بعدم الثقة بالمرشحين، وتعبير عن سخط شعبي تجاه النخب والأحزاب، بما يعني التشكيك في الشرعية السياسية للنظام القائم.
إن نموذج عزوف 66% من الفرنسيين عن المشاركة في الانتخابات المحلية الأخيرة، وامتناع 52% من الإيرانيين عن التصويت في الانتخابات الرئاسية، وعدم مشاركة نحو 77% من الجزائريين في الانتخابات التشريعية (وهي نسب امتناع قياسية في الدول الثلاث)، تُفقد هذه الانتخابات قيمتها السياسية من حيث التمثيل الشعبي. فالامتناع أو وضع أوراق بيضاء أو الإدلاء ب«لا»، هو تصويت احتجاجي متعمد؛ لأن البعض يرى ألا جدوى من تصويته في إحداث أي تغيير ممكن، والبعض الآخر يرى في امتناعه، حالة احتجاجية ضد مجمل الطبقة السياسية التي لا تمثّله، أو أنه يرى أن النتائج معلبة لمصلحة مرشحين معينين. 
ولعل أسوأ مظاهر الإساءة للديمقراطية والتمثيل الشعبي، هو أن تتولى هيئة معينة النظر في الترشيحات لتحديد المؤهل واستبعاد غير المؤهل، بما يعنيه ذلك من اختيار انتقائي للمرشحين، وعدم ترك الاختيار للإرادة الشعبية.
إن هذه النماذج في إيران وفرنسا والجزائر، لا تعني الدول الثلاث فقط؛ بل تشمل العديد من الدول، وبينها دول أوروبية شهدت انتخابات، إما تم التشكيك في نزاهتها، وإما اختار الناخبون فيها أحزاباً لا تؤمن بالديمقراطية أساساً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"