عادي

مارجريت يورسنار..أول امرأة تدخل الأكاديمية الفرنسية

23:26 مساء
قراءة 3 دقائق
مارجريت يورسنار

من الروايات التاريخية إلى مذكرات السيرة الذاتية، سجل إبداع الكاتبة مارجريت يورسنار (8 يونيو 1903 – 17 ديسمبر 1987) نفسه على هامش تيار الالتزام في عصره، وقد تميز بلغته وبأسلوبه الكلاسيكي، كما تميز بجمالياته المتنوعة، وبالرغبة في التأكيد على أن غائية الأدب: السرد، أما الفكر الذي استوحته الكاتبة من حكمة الشرق، فلم يبتعد عن النزعة الإنسانية الطاغية على أدب عصر التنوير: «إن مكان الميلاد الحقيقي للإنسان هو ذلك المكان الذي يلقي فيه للمرة الأولى نظرة على ذاته الداخلية، ولذلك كانت مواطني الأولى هي الكتب» هكذا قالت على لسان هادريان في روايتها «مذكرات هادريان».

يتشكل إبداع مارجريت من قصص قصيرة وروايات وشعر ومقالات بحثية وأعمال مسرحية وترجمة، وكانت، وهي كاتبة مشهورة، ذات جانب خفي ومتناقض، مع إحساس قوي جداً بقيمتها الذاتية، واعتدادها بنفسها، وهو ما كان يجعلها تبدو أحياناً سمجة، فكانت تتشاجر مع ناشريها، وتتحدث بوضوح عن نفورها تجاه عدد من محاوريها الإعلاميين.

منحت رواية «مذكرات هادريان» يورسنار، شهرة واسعة، وهي تمثل إحدى العلامات الإبداعية النادرة للقرن العشرين، إنها درس بليغ في الرواية التاريخية، من خلالها تعيد تشكيل ما يتوافر من وثائق واكتشافات وخيال إبداعي لصياغة سيرة وشخصية وعالم أحد أهم أباطرة الرومان الذي يقول: «إنني مسؤول عن جمال العالم» ذلك ما يقوله هادريان في الرواية، واعياً بأن مشاكله هي نفسها مشاكل الإنسان في كل زمان.

ولدت يورسنار لأب ينتمي إلى مقاطعة فرنسية، وأم بلجيكية، تنتمي إلى عائلة من النبلاء، توفيت بعد ولادة مارجريت بعشرة أيام، إثر حمى النفاس، فنشأت الابنة في كنف جدتها لوالدها، التي كتبت عنها في عملها الروائي «سجلات الشمال» أحد أجزاء سيرتها الذاتية، ولأن والدها كان متحرراً من التقاليد، لم يكن أمام الجدة سوى توجيه النقد الدائم له، وتركت تربية الحفيدة للخادمات، فلم تذهب إلى المدارس، وتلقت أساسيات علوم عصرها على يد معلمين خصوصيين، في سن السابعة.

كانت تقضي الشتاء في مدينة ليل بالجنوب الفرنسي، وذلك حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، وبعد وفاة الجدة توثقت علاقتها بأبيها، لكن في عام 1914 اندلعت الحرب في ما كانا في عرض البحر، ولأن الطريق كانت مغلقة إلى باريس توجها إلى لندن؛ حيث تعلمت الابنة الإنجليزية واللاتينية واليونانية والإيطالية، ثم عادا إلى باريس.

حرمت مارجريت من مواصلة دراستها، فقررت أن تصبح كاتبة، ونشرت ديوانها الأول «حديقة الأوهام» عام 1921 على نفقتها الخاصة، موقعاً باسم يورسنار الذي أصبح لقبها الرسمي، عند حصولها على الجنسية الأمريكية، وفي عام 1929 نشرت أولى رواياتها، التي استلهمتها من الكاتب الفرنسي أندريه جيد وعنوانها «ألكسيس أو معاهدة المعركة العبثية» وفي هذا العام توفي والدها.

عاشت مارجريت يورسنار عشر سنوات متنقلة بين ربوع أوروبا، وعندما ساءت حالتها المادية، ترجمت رواية «الأمواج» لفرجينيا وولف، ما تطلب سفرها إلى لندن لمقابلة الكاتبة شخصياً، ونشرت «قصص شرقية» كصدى لرحلاتها، ثم ديوان «نيران» وحتى قبيل الحرب العالمية الثانية كانت قد نشرت ثمانية كتب.

بعد الحرب ، أرسل إليها أحد أقاربها حقيبة مملوءة بالأوراق، كانت قد تركتها في سويسرا، ووجدت فيها معطيات لمعاودة كتابة روايتها «مذكرات هادريان» وفي عام 1950 انقطعت عن التدريس لإنهاء الكتاب، ثم عاودت العمل بالتدريس عام 1952 كانت تقرأ بطلاقة اليونانية القديمة واللاتينية، وتعرف النصوص القديمة، ولكي تكب «مذكرات هادريان» ألزمت نفسها بقراءة كل النصوص الرئيسية، فيما سمي بقرن هادريان، وأكسبتها الرواية وضعية كاتبة راسخة، وتم تكريمها عام 1970 بانتخابها عضوة أجنبية بالأكاديمية الملكية للغة والأدب الفرنسي ببلجيكا، وبعد عشرة أعوام انضمت إلى الأكاديمية الفرنسية، وبذلك أصبحت أول امرأة تدخل الأكاديمية الفرنسية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"