حارس مرمى ومشجع ومتعصب

00:00 صباحا
قراءة دقيقتين

كأس أوروبا لكرة القدم إلى إيطاليا للمرة الثانية بعد لقب 1968، وخيبة أمل للإنجليز وهم من اخترع اللعبة أصلاً قبل أكثر من مئة عام، لكن الاختراع لا يعني المجد الأبدي واحتكاره حتى لو قال أحد المتعصّبين الإنجليز:«it’s coming to home»، في إشارة إلى عودة الكرة إلى وطنها، غير أنه لا وطن لكرة القدم حتى لو ردّ أحد لاعبي إيطاليا بالقول: «it’s coming to rome»، والسجع بالإنجليزية جميل بين «هوم» و«روم»، لكن الأجمل منه كتاب «كرة القدم في الشمس والظل» لإدواردو غاليانو (ترجمة: صالح علماني) بخاصة وهو يضع ما يشبه تاريخاً لكرة القدم في أمريكا اللّاتينية بواسطة قصص وحكايات قصيرة أشبه بالقصاصات.
يقول غاليانو عن حارس المرمى: «يسمّونه كذلك البوّاب، والغولار، وحارس الحاجز، وحارس القوس، ولكننا نستطيع أن نسمّيه الشهيد، الوثن، النّادم، أو المهرّج الذي يتلقّى الصفعات، ويقولون إن المكان الذي يطأه لا ينبت فيه العشب أبداً». ويضيف غاليانو عن حارس المرمى: «إنه وحيد، محكوم عليه بمشاهدة المباراة من بعيد، ينتظر وحيداً إعدامه رمياً بالرصاص بين العوارض الثلاث. كان في السابق يرتدي الأسود، مثل الحَكَمْ، أما الآن، فلم يعد الحكم يتنكر بزيّ الغراب».
بعد نهاية مباراة إيطاليا وإنجلترا، ظهر التعصب الإنجليزي وطفت على عشب الملعب عنصريات صغيرة ألقى بها جمهور المنتخب الإنجليزي. غضب عارم وعنف جماعي يكشف أكثر ما يكشف عن الجهل وعبادة الذات الكروية، غير أن مدرّب المنتخب الإنجليزي كان خارج هذا التعصب المقيت، وحين أخذ الجمهور بمهاجمة حارس المرمى الإنجليزي، دافع الرجل عن لاعبه ولم يلق عليه اللوم، ولم يحمّله كل المسؤولية. موقف رجولي، يليق بأخلاقيات لاعب كرة القدم.
ولكن، ماذا يقول إدواردو غاليانو عن المشجّع، وبخاصة بعد نهاية المباراة: «عندما تنتهي المباراة، يبدأ المشجّع الذي لم يتحرّك من المنصّة الاحتفال بِ فوزه.. يا للأهداف التي سجلناها عليهم، يا للدرس الذي لقنّاهم إياه، أو يبكي هزيمته: لقد غشّونا مرة أخرى، يا للحكم اللص».
أسوأ أنواع المشجّعين في كرة القدم، وفي أي نشاط بشري هم أولئك المتعصّبون. خذ هذه الصورة الفوضوية التي يرسمها غاليانو للمشجع المتعصّب وهو في طريقه إلى الملعب. وجهه مطلي بلون القميص المعبود «مسلّحاً بأدوات مقعقعة وحادّة، وبينما هو في الطريق يكون قد بدأ بإثارة الكثير من الصخب والشجار..».
كتب غاليانو «كرة القدم في الشمس والظل» قبل عقود من الزمن متتبعاً تاريخ هذه اللعبة العالمية بشيء من السخرية أحياناً، و«للكرة نذالتها أيضاً، فهي لا تدخل أحياناً إلى المرمى، لأنّها تبدّل رأيها وهي في الجوّ وتنحرف عن مسارها»، تماماً مثل أي إنسان ينحرف عن مساره، لأنه، لا يطيق أن يُعامل ركلاً بالأقدام.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"