ما الذي حلّ بتونس؟

00:23 صباحا
قراءة 3 دقائق

لا يمكن لأي مراقب يتابع الوضع في تونس إلاّ أن يتساءل عما يحدث هناك من انهيار شامل ومتسارع لكلّ المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية في بلد كان يصنّف منذ سنوات قليلة ضمن أفضل الدول من حيث جودة الحياة.
 فتونس تتجرّع اليوم خيبات الفقر وانتشار الفيروس، وتعيش على وقع كوابيس الديون والأزمات السياسية التي لا تنتهي. ورغم هذه الوضعيات المزرية، فإن أتباع حركة النهضة يطالبون الحكومة ويضغطون عليها من أجل التسريع في صرف التعويضات التي تقدّر بأكثر من مليار دولار عمّا يسمونها «حقبة الديكتاتورية»، وهم يعلمون أن الدولة تعيش هذه الأيام على وقع جمع المساعدات والتبرعات لمقاومة الجائحة المنتشرة.
 وحتى نستطيع أن نفهم ما يحدث، علينا العودة إلى عام 2011، حين حلت المنظومة الجديدة محل نظام ابن علي، وبداية فرض سياسة التمكين والتعويض من قبل «جماعة الإخوان»، لأنها تدرك أن الوضع لن يستمر طويلاً تحت إمرتها، الأمر الذي دفعها إلى التسريع في الحصول على المكاسب والامتيازات، برغم كل الجرائم التي تم ارتكابها منذ 2011، في حق الدولة والوطن والشعب. إنه منطق الغنيمة الذي يكبر كلّما ضعفت الدولة، وانهارت أركانها، وعجزت عن مقاومة المشاريع التخريبية. إنه منطق الغاب الذي يحكمه قانون البقاء للأقوى، ويتم تطبيقه بسياسة الإنهاك المستمر للفريسة، ثم الانقضاض عليها والإجهاز على روحها. 
حملات إعلامية أطلقها شبان تونسيون، يعلنون فيها عن دعوات للنزول إلى الشوارع في ذكرى عيد الجمهورية الذي يوافق الخامس والعشرين من يوليو/ تموز الجاري، وهي الذكرى التي تم فيها اغتيال النائب الشهيد محمد البراهمي. وعنوان هذه الحملات الإعلامية «المستشفيات أولى من التعويضات»، في إشارة واضحة إلى أنّ التعويضات التي تطالب بها حركة النهضة في هذا الوقت يجب تخصيصها لدعم المستشفيات التي تخوض حرباً شرسة ضدّ الوباء. والمميّز في هذه الدعوات أن كثيراً من النخب الجامعية والفكرية الثقافية باتت تطالب بتحرك جذري ينهي استنزاف الدولة، ويوقف مسار انهيارها. مطالب كثيرة، بعضها يدعو الجيش إلى تدخل مباشر، وآخرون يطالبون رئيس الجمهورية بتدخل جذري وفق صلاحياته الدستورية، وتفعيل الفصل 80 الذي يتيح له حل البرلمان، وربما الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
 وفي ظل تعطّل البرلمان واستمرار مشاهد العنف داخل قبته، فإن التونسيين يشعرون بأنه لم يعد هناك مجال لترك الأمور بيد هذه الطبقة السياسية التي عبثت بكل شيء، وتقود البلاد إلى المجهول. ويستند الداعون إلى هذا التحرك الجذري، وحتى إلى الثورة الثانية، فضلاً عن كل المؤشرات الاقتصادية المتردية بمستويات قياسية، إلى نسب انعدام الثقة بالطبقة السياسية وعلى رأسها الغنوشي رئيس مجلس النواب ورئيس حركة النهضة الذي استطاع أن يتربع على زعامة الشخصيات التونسية الأكثر فقداناً للثقة بها على مدى السنوات العشر الماضية.
 الضغط يزداد على منظومة الخراب والفساد في تونس، وأصوات الشعب تتعالى في رسالة شديدة الوضوح هذه المرّة، ولسان حالها يقول إما أن يأتي تحرّك من أي جهة، وإما ستكون الشوارع هي الفيصل بين الشعب وبين هذه الطبقة التي تسعى إلى «لبننة» تونس.
 المرض العضال الذي ضرب تونس منذ2011، تم تشخيصه، ووصْفته لا تحتاج إلى كثير من النقاش. فهذه المنظومة وجب إسقاطها، ووجب إعادة النظر بعمق في النظام السياسي القائم. فهذا نظام لا يصلح لتونس، ولا لشعبها. و يكفي فقط أن نقول إن تونس التي كانت تتصدر دول العالم في إنتاج الفوسفات، صارت اليوم تقترض من الدائنين حتى تستورد مشتقات هذه المادة، ومناجمها إما مغلقة، وإما معطلة عن الإنتاج. فهل يوجد خبل أكثر من هذا؟ وهل توجد منظومة أكثر فساداً من هذه؟ الثورة التونسية الجديدة صارت واجباً وفرض عين على كل تونسي يريد إنقاذ بلاده من الانهيار الشامل. وغير ذلك مشاركة معلنة أوصامتة في عملية تدمير الوطن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"