أزمة الثقافة العلمية

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

يعتقد كثير من البشر أن نتائج العلم قاطعة ولا تقبل الجدل، وهو ما يخالف الواقع تماماً. فالعلم مؤسس على التجربة وعدم اليقين والبحث المفتوح على المختلف والمغاير، وهو ما يتسق مع طبيعة الاكتشافات التي نقرأ عنها بين الحين والآخر، والتي تعتمد على أدوات بحثية تتطور كل يوم، وإذا حدث وتوقف هذا التطور فلا جديد يمكن للعلماء اكتشافه، وتحتاج فكرة يقينية العلم، إلى دراسة وتحليل لمعرفة متى وكيف ولماذا ترسخت؟.

تتمثل خطورة تلك الفكرة في أنها تحول العلم لدى البسطاء إلى ما يشبه السحر الذي يتميز بقوة خارقة تستطيع فعل المعجزات؛ الأمر الذي يعرض العلم للشك لو توقف حائراً أمام ظاهرة ما، أو عاجزاً عن تقديم دواء ناجع وفوري لأحد الأمراض، وهو ما لاحظناه في جائحة «كورونا» في أسئلة البعض أو حتى سخرية البعض الآخر، فالعلم الذي كان يعد البشر بحياة مستقبلية غير مسبوقة أشبه بالخيال، وقف لفترة طويلة نسبية أمام الوباء. من هنا انتشرت الخرافات ونظريات المؤامرة، بما يؤكد أن هناك خللاً فادحاً في معرفتنا بقواعد العلم.

في كتابها «المبادئ»، تؤكد ناتالي أنجير، أن أكبر مشكلة تواجه العلماء، تتمثل في إقناع الجمهور بأن عدم اليقين، هو ما يدفعهم قدماً إلى الأمام في تطوير أبحاثهم، وذلك من دون تقويض مصداقية العلم في الوقت نفسه. وتضرب عشرات النماذج التي قدم فيها العلم حلولاً لمشكلات طارئة، ولم يلبث بعد فترة، أن تعامل مع المشكلات نفسها بأساليب مختلفة، وهو ما يمكن أن نتلمسه عندما نقوم بجولة سريعة في تاريخ الأمراض، حيث خاض العلم كفاحاً طويلاً مع الأوبئة عبر التجربة المؤسسة على الصواب والخطأ، وهو ما ينطبق حتى على مستوى الفرد الواحد، فربما أصيب أحدنا في طفولته بمرض مزمن اضطر معه لتناول أحد الأدوية ضعيفة التأثير، ولم يجد له علاجاً فعالاً إلا بعد مرور عقد أو اثنين.

لنتجول سريعاً في مختلف جوانب ثقافتنا العربية، لنسأل هل هناك ما يغرينا بالتعرف إلى العلم؟ تاريخه، منطقه، فلسفته؟ إذا ذهبنا إلى وسائل الإعلام، فسنجد أن معظمها يضع الأخبار العلمية ضمن أبواب الأخبار الخفيفة المسلية التي لا يهمها إلا جذب القارئ عبر الغريب والعجيب، أما إذا تجولنا في كثير من مكتباتنا فلن نعثر على كتب مترجمة في العلم، وحتى إذا وجدناها فهي موجهة لأصحابها، العلماء، الذين يطالعون ويكتبون بلغات أجنبية، وتغيب تلك الأعمال التنويرية عن العلم المقدمة للقارئ العادي، ولا توجد مجلة علمية واحدة في العالم العربي، ربما باستثناء مجلة العلوم الكويتية، وهي ترجمة شبه متخصصة لمجلة أمريكية، ويكتب كثير من مثقفينا بلغة التوكيدات والتعميمات و«الينبغيّات» والحقائق الثابتة؛ أي أن المناخ بأكمله لا يشجع على القراءة في العلوم، بما يؤدي إلى إنتاج عقلية لا علمية تنتظر حل مشاكلها كافة، من دون بذل أي جهد حتى في التعرف إلى أسباب وجذور تلك المشكلات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"